حكم رفع اليدين في تكبيرات الجنازة

السبت، 20 أبريل 2013


 للشيخ الدكتور إسماعيل عبد الرحمن



لقد كان غالب المصريين يرفعون أيديهم في تكبيرات الجنازة ثم خرج علينا بعض أهل العلم فأنكروا على الرافعين أيديهم ومنعوهم من ذلك ، وقد تناسوا أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ولذا فللمسلم أن يأخذ بواحد منها طالما أنه لم يرد فيها أثر أو سنة أو قول لصحابي .
ورفع اليدين في تكبيرات الجنازة منعه الحنفية ومالك والثوري وابن حزم والشوكاني رحمهم الله ونقله الشيخ سيد سابق رحمه الله وجعله من السنة فقال : والسنة عدم رفع اليدين في صلاة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبيرات الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ثم قال : قال الشوكاني بعد ذكر الخلاف ومناقشة أدلة كل والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها أ.هـ .
ويفهم من كلام الشوكاني رحمه الله أن قول الصحابي وحكمه في مسألة شرعية ليس حجة وأن ورود أي فعل عنهم لا مزية فيه ولا أفضلية والأولى تركه .
وقد خالف الشوكاني رحمه الله في ذلك جمهور الأمة الذين قالوا بحجية قول الصحابي وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله : فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة وهو قول الأئمة الأربعة رضي الله عنهم ومن أقوى أدلتهم قوله تعالى : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم " (سورة التوبة الآية 100 ) .
وقد ذكر رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ثلاثة وأربعين دليلا على حجية قول الصحابي .
ومن أفعال الصحابة رضي الله عنهم التي سلم الكثرة بحجيتها ما رواه البخاري " وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه " .
ومنها ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه .
وقوله رحمه الله أيضا : " وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيره في صلاة العيد ".
وبهذا ونحوه نرد قول الشوكاني رحمه الله بعدم حجية قول الصحابي والأحكام التي وردت عنهم ولم ترد في السنة المطهرة .
ومما تقدم يتضح أنه إذا ثبت في رفع اليدين قول لأحد الصحابة رضي الله عنهم فهو الأولى بالإتباع والاقتداء ويحمل قول المانعين على عدم ورود أثر عندهم من الصحابة أو عدم صحته .
أما القائلون بسنة رفع اليدين في تكبيرات الجنازة فهم الشافعية والحنابلة.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم : ويرفع المصلي يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة وهو قائم ( كأنه يعنى صلاة العيد ) وقال أخبرنا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة .
وقال الشافعى رضي الله عنه : وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا ، وقال بعض الناس لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى .
وقال ابن قدامة الحنبلى رحمه الله : يسن أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد (رواه الأثرم ) .
وقال في الشرح الكبير : أجمع أهل العلم على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في التكبيرة الأولى ويستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة يروي ذلك عن سالم وعمر بن عبدالعزيز وعطاء والأوزاعي والشافعي .
وقال مالك والثوري وأبوحنيفة لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جمع الركعات .
ولنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة ، رواه ابن أبي موسى وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك .
ومما تقدم يتضح أن المسألة وهي رفع اليدين في تكبيرات الجنازة محل خلاف بين أهل العلم ولا حرج على فعل واحد منها لكن الحرج كل الحرج على من يريد إلزام المسلمين برأيه الذي مال إليه ورجحه ثم ينكر الرأي الآخر ويمنع الناس من فعله فكيف إذا كان هذا الذي ينكره ثابت أو مروي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإن ثبت حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه البيهقي كان سنة وتاركها لاشك جاهل ومخطئ وأن كانت لم تثبت فقد ثبتت عن عمر رضي الله عنه وحيئذ يكون سنة على المسلمين الأخذ بها وليس لهم معها خيار لقوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " (أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم).
وإن كان لم تثبت فقد ثبتت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وفي ذلك يقول الألباني رحمه الله : نعم روى البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة .
ثم عقب بقوله : فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فله أن يرفع .
حتى ولو لم يكن توقيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قول أو فعل صحابي يقدم على غيره من التابعين ومن أتى بعدهم .
أما ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى فهو حديث ضعيف .
حتى و إن كان صحيحا فليس فيه ما ينفي رفع اليدين في باقي التكبيرات لأن محل استشهاده فيما أرى هو وضع اليدين في صلاة الجنازة .
وأما رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود ، ففيها الفضل بن السكن وهو مجهول .
ولذا فإن الأرجح عندي في هذا الخلاف هو رفع اليدين في تكبيرات الجنازة لثبوت ذلك إما سنة عن عمر رضي الله عنه أو قولا لصحابي كابن عمر وأنس وكذا سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعطاء والأوزاعي رضي الله عنهم  .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم

د/ إسماعيل عبد الرحمن
 أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
 www.alazhary2.blogspot.com

2 التعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ان شاء الله تمام أردة ان أدعو كل أصدقاء مدونتكم المتواضعة لزيرة مدونتي و المشاركة في الموضوع الجديد الدي عرضته

في انتضار زيارتكم تقبلو مني فائق الاحترام و التقدير

سلام

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إزيك يادكتور إسماعيل أن تلميذك محمد أحمد طه عيسى خريج دراسات دمياط 2005 وفضيلتك درستلى سنة أول وثانية والحمد لله كان تقديرى فى مادة الأصول امتياز
ربنا يخليك ويطول فى عمرك

إرسال تعليق

شاركنا برأيك ولا تمر مرور الكرام