‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات فضيلة الشيخ. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات فضيلة الشيخ. إظهار كافة الرسائل

الأضحية بالديك والبط لا تجوز

الأحد، 11 سبتمبر 2016


 أفتى بعض العلماء المعاصرين بجواز الأضحية بالديك والبط ونحوه واستند في ذلك إلى رأي ابن حزم الظاهري رحمه الله الذي استدل : بما روى عن سويد بن غفلة رضي الله عنه قال: قال لى بلالرضي الله عنه : ما كنت أبالى لو ضحيت بديك ولان آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكن مقتر فهو أحب إلى من أن أضحى.
وبما روى عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه أعطى مولى له درهمين وقال: اشتر بهما لحما ومن لقيك فقل: هذه أضحية ابن عباس .
وهذه الفتوى وهاذان الدليلان مردودان من وجوه :
الوجه الأول: أن رواية بلال رضي الله عنه نصها منقوض لأن العمل به يلغي سنة الأضحية ويجعل التصدق بثمنها على المساكين أفضل .
وهو غير صحيح لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عن احد من الصحابة رضي الله عنهم
الوجه الثاني :أن الفقر كان منتشرا بين كثير من الصحابة رضى الله عنهم ومع ذلك لم نقف على كثرة منهم ضحت بالطيور والارانب ونحوها .
الوجه الثالث :أن المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ينقض نفسه بنفسه لأنه جعل اللحم المشترى أضحية وكيف يكون كذلك وهو لم يذبح بهذه النية بل ذبحها الجزار لبيعها .
الوجه الرابع :أننا وإن سلمنا جدلا صحة ما نقل عن بلال وابن عباس رضي الله عنهم فإنها أقوال لبعض الصحابة رضي الله عنهم معارضة بالنص وما عليه الكثرة من علماء الأمة .
الوجه الخامس: أن الأضحية –عند الجمهور- سنة مؤكدة في حق الغني لحديث {من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا} والسعة هي الغنى، ويتحقق عند الحنفية بأن يكون في ملك الإنسان مائتا درهم أو عشرون دينارا، أو شيء تبلغ قيمته ذلك، سوى مسكنه وحوائجه الأصلية وديونه. وقال المالكية: يتحقق الغنى بألا تجحف الأضحية بالمضحي، بألا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه. وقال الشافعية: إنما تسن للقادر عليها، وهو من ملك ما يحصل به الأضحية، فاضلا عما يحتاج إليه في يوم العيد وليلته وأيام التشريق الثلاثة ولياليها.
الوجه السادس :حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: {ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما} .

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كنا نضحي بالشاه الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة، وهو حديث صحيح.
الوجه السابع :أن شرط الأضحية عند الجمهور أن تكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنا كانت أو معزا ، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث.
فمن ضحى بحيوان مأكول غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به، لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} ولأنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو ذبح دجاجة أو ديكا بنية التضحية لم يجزئ.
ويتعلق بهذا الشرط أن الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة والبقرة كل منهما عن سبعة، لحديث جابر رضي الله عنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة .
بقلم
د/إسماعيل عبد الرحمن
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
ورئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

إعلامنا وإعلامهم

الاثنين، 6 يوليو 2015

بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن

عند متابعتك للقنوات المصرية الخاصة والعامة وخصوصا في شهر رمضان المبارك ترى العجب العجاب ...فكل القنوات تتبارز وتتبارى فيما بينها أيها أقدر على عرض المسلسلات والبرامج التي تفسد صوم المسلمين ونادرا ما تجد برنامجا أو مسلسلا هادفا ولو وجد فيتم إذاعته وبثه في الأوقات التي يعزف المشاهدون فيها عن متابعة التلفاز ... ونترك إعلامنا المصري والعربي وننتقل إلى الإعلام الإسرائيلي وتحديدا قناة 33 والتي تبث على القمر الاسرائيلي لنشاهد ماذا أعدوا من برامج لشهر رمضان المبارك .... وإليك بعضا من برامج هذه القناة :
1- برنامج ( رمضانيات ) وهو برنامج للابتهالات الدينية، يؤديها إسرائيليون .
2- برنامج ( موعد مع الصائم ) وفيه يستضاف رجل دين يتحدث عن روحانيات الشهر الكريم. ويحث مسلمي إسرائيل على القيام بأعمال الخير، كما يذيع البرنامج أناشيد دينية خاصة بشهر رمضان .
3- فيلم رمضاني بعنوان ( من غير رمضان ) والفيلم يتحدث عن الشهر في الماضي والحاضر وأوجه الاختلافات في عصر التكنولوجي ، ويهتم الفيلم بالمغزى الفلسفي من حكمة الصوم، بحسب وصف الشركة المنتجة، ويلفت نظر المشاهدين للتعلم من قيم الماضي، والنظر لجوهر الصوم في الوقت الحالي.
4- برنامج خاص بليلة القدر ويتم نقل بث مباشر لصلاة القيام فيه . وغيرها الكثير ..............
أين البرامج الهادفة ... أين المسلسلات التي تربي أجيالا وتبرز أدوار وأمجاد المسلمين ...أين ..أين ...أين ؟؟؟؟
إن المسلم ليحزن عندما يرى معظم إعلامنا بجميع صوره وأشكاله ليس لديه خطة طموحة لتثبيت القيم الدينية وتصحيح المفاهيم المغلوطة والتذكير بالتاريخ الإسلامي الذي ساد فيه العرب رعاة الغنم الدنيا لتمسكهم بهذا النور وما حل بالمجتمع من تحلل أخلاقي وتشكيك في ثوابت الدين ليس إلا أثر من آثار تخلى الإعلام عن دوره التربوي والأخلاقي بل إن بعضها تتبنى هدم هذه القيم والأخلاق الفاضلة حتى في شهر رمضان ولن أكون متجنيا إن قلت أن نسبة البرامج الدينية والمسلسلات لا تتعدى نسبة 5 % من نسبة باقي البرامج والمسلسلات الغير هادفة والتي تحتوي على المحرمات والمنكرات والمفطرات .
نعم لن ننكر هناك برامج هادفة ولكنها قليلة جدا جدا وأغلب القنوات ذات نسب المشاهدة العالية ليس لديها وقت لنشر القيم الحميدة وتذكير المشاهدين بقواعد هذا الدين التي تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم وتصلح ولا تفسد حينئذ سنيضق الخناق على المتششدين في الدين والمتحللين منه على حد سواء .
هل سيصل بنا الحال إلى أن ننادي اعلامنا أن يدرسوا رسالتهم ودورهم في المجتمع كما يفعل الإعلام الاسرائيلي الذي راعى شعور المسلمين الصائمين ؟؟؟
هذه رسالة أتمنى أن تصل إلى المسؤولين عن الإعلام العربي عموما والمصري خصوصا علهم يفيقوا من سباتهم العميق وينشدوا رضا الرحمن ويحققوا ما تنشده الأمة منهم من إعلام هادف محترم يراعي أوامر الشرع ونواهيه ويشجع على الفضائل ومكارم الأخلاق ويحد من الرذائل ومساوئ الأخلاق . 
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد

إسلام بحيري وتتبع زلات العلماء

السبت، 11 أبريل 2015


بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن *
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله ربه جل وعلا رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين ....وبعد ،
تابعت بعض حلقات برنامج ( مع إسلام ) والذي يقدمه إسلام بحيري وتبين لي من خلال مشاهدتي لها أن الغالب من هذه الحلقات قائم على تتبع زلات العلماء وأخطائهم واستباحة أعراضهم وسبهم ولعنهم وتسفيه أمرهم والواضح أن من يؤسس ويقيم برنامجه لهذه الغاية يكشف عن جهله العميق بقواعد الشريعة الإسلامية وأصولها .
ونوضح في هذه المقال حكم تتبع زلات العلماء .
إن ديننا الإسلامي لا عصمة فيه إلا للأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام يقول ربنا جل وعلا : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " ( سورة النجم الآيتين  3 ، 4 )
وأهل العلم في الإسلام سلموا لهذه القاعدة فقالوا : أن كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذا فلا جدال في أن الخطأ وارد في أقوال السادة العلماء وقد يثابون عليه مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " (متفق عليه ) وفي لفظة " إذا اجتهد الحاكم ..." .
والنص السابق يثبت بذاته الخطأ في اجتهاد العلماء وإذا ثبت ذلك فإن تتبع زلاتهم بقصد التشهير بهم والتشكيك في قدرهم وعلمهم  يعارض قواعد الشرع الحنيف .
وقد خط الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في هذا الأمر كلمات بحروف من ذهب فقال : أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ، و لا الأخذ بها تقليداً له ، و ذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ، و لذلك عُدَّت زلةً ، و إلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة ، و لا نُسِب إلى صاحبها الزلل فيها ، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير ، و لا أن يُشنَّعَ عليه بها ، و لا يُنتَقَصَ من أجلها ، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً ، فإن هذا كله خلاف ما تقضي رتبته في الدين ...(الموافقات للشاطبي )
 وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى :  العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ ، إذ لَيسَ بمعصومٍ ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله ، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم ، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض ، و حرَّموه ، و ذمُّوا أهلَه ( إعلام الموقعين  )
ولم يكتف العلماء بالنهي عن تتبع زلات أهل العلم فحسب حتى لا يقول قائل : أتريدوننا أن نسكت عن أخطاء أهل العلم ولكنهم وضعوا القواعد لمناقشتها والرد عليها بما يكفل الاحترام والتوقير للعالم وممن هم أهل لذك يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله : و مِمَّا يختص به العلماء ردّ الأهواء المضلة بالكتاب و السنة على مُورِدِها ، و بيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها ، و كذلك رد الأقوال الضعيفة من زلاّت العلماء ، و بيان دلالة الكتاب و السنة على ردّها (  جامع العلوم و الحكم )
إلا أن إسلام بحيري خالف تلك القواعد ولم يسلم بها وأنكر الأخطاء التي وقعت من بعض أهل العلم وتتبعها لغرض في نفسه وياليت نقده كان يرمي إلى الصواب وإنما رمى إلى التشكيك في أهل العلم واحتقارهم وإهانتهم وسبهم ونسي أن ما وقع هو فيه أعظم جرما مما وقع فيه أهل العلم من أخطاء لأنه :
أولا : تتبع زلات العلماء ليفضحهم ويشكك فيهم وهذه الجريمة حذر منها نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " (أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما ).
ثانيا : تحلى بمساوئ الأخلاق كالسب واللعن والشتم وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله : "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء " (أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما )
ثالثا : لعن أول هذه الأمة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعن أبي أمامةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"... وإن من إدبار هذا الدين، أن يلعن آخر الأمة أولها، ألا وعليهم حلت اللعنة "( أخرجه الطبراني ).
==================================
*أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر
رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

إسلام بحيري وهدم الثوابت

السبت، 4 أبريل 2015



إسلام بحيري مصري تنويري حاصل على درجة الدكتوراه من بريطانيا في تجديد مناهج الفكر الإسلامي  ينتمي إلى المدرسة التنويرية تلك المدرسة التي تقدس العقل وتهاجم النص وتشكك في المعتقدات الدينية يدعو للتعامل الحر المباشر مع النصوص دون قيود أو حدود يحقر سلف الأمة وعلمائها بل ويسبهم ويلعنهم صاحب فكر متحرر يسعى إلى تغيير الفكر الديني يؤكد ذلك أقواله ومنها : الدين تجربة بشرية خاصة جدا ونريد حركة فكرية تنويرية حقيقة أ0هـ  وقوله: اعمل عقلي بحريتي الشخصية دون الرجوع لأي شخص أ.هـ

يطل علينا ببرنامجه على قناة القاهرة والناس ليبث سمومه وينشر منهجه التنويري الذي يستهدف تشكيك المشاهد في أصول دينه وفكرعلماء الأمة ومشايخها .

ولقد تعجبت من قول أحد أساتذة الأزهر متحدثا عن دور الأزهر مع أمثال إسلام بحيري : إن الأزهر لن يكون محاكم تفتيش كما كان الحال في أوروبا في القرون الوسطى ... وقول الأزهري الآخر : إن مهمة الأزهر البيان فقط  وقد جانب كلا الرأيين الصواب لما يلي:

أولا- إن إسلام بحيري حدد فكره والمدرسة التي ينتمي إليها  وهى : المدرسة التنويرية .

  فقيام أهل العلم بتأصيل هذا الفكر وغايته وخطره على الفرد والمجتمع  ونشر ذلك في جميع وسائل الإعلام والمقررات الثقافية  واجب ديني ففي الحديث : " إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله "( أخرجه ابن ماجه والطبراني في الأوسط)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها ألا عليهم حلت اللعنة » (أخرجه الطبراني في الكبير وابن بطة)

وحينئذ يكون هذا الرد بمثابة بيان علمي لحقيقة فكر دخيل علينا يسعى إلى التشكيك في أصول الدين وعلماء الأمة  والدعوة إلى التحرر من قيود الشريعة .

ثانيا- إن تخصيص مجموعة من أهل العلم المتخصصين في الدعوة وعلوم الشريعة للرد الفوري على كل  من يشكك في ثوابت الدين أو يدعو إلى  فكر يخالف شريعتنا  بل ويسعى لهدمها  هذا الرد السريع  فيه فوائد لصاحب هذا الفكر  في دعوته  إلى المنهج الوسطي  المعتدل ورده إلى طريق الصواب كما أن فيه عصمة وتحصين للمشاهد المسلم الذي قد تدفعه أمثال هذه البرامج  في التشكك في ثوابت دينه وشريعته ولا يعد هذا الواجب تكميما للحريات أو إحياء لمحاكم التفتيش كما يظن بعض أساتذة الأزهر وإنما هو الحد الأدنى من البيان الواجب على أهل العلم .

وأرى أن هذا الفكر وأمثاله  يجب مواجهته  بعدة طرق :

أولها- دعوة إسلام بحيري وأمثاله للحوار الرامي إلى الوصول إلى الحق وفق القواعد الشرعية في ذلك: ( بالحكمة والموعظة الحسنة)

ثانيها- وجوب تذكير المسلمين بحقيقة الفكر التنويري الذي  يتبناه إسلام بحيري وجابرعصفور وغيرهم  وكيف انه أدى إلى نشر الإلحاد في أوربا واحتقار رجال الدين الذين تحكموا في عقول أتباع الكنيسة

ثالثها- ضرورة بيان مكانة العقل في الإسلام وحدوده والفرق بين رجال الدين عند غير المسلمين والعلماء في الإسلام وما هو دورهم ورسالتهم وحقهم علينا

رابعها- التفعيل الفوري لقناة الأزهر التي طال بثها التجريبي كي تساهم بواجب الأزهر الشرعي نحو تصحيح المفاهيم الخاطئة والتحذير من دعاة التحرر والتحلل من قيود الشرعة وهذا نوع من التطرف والإرهاب الفكري لايقل شأنا عن الغلو والإرهاب المادي ولا مخلص لنا من هذين المهلكين إلا بإحياء وسيطة الإسلام وتفعيلها عمليا في سلوكنا وأفعالنا وهو المنهج الذي يقوم عليه الأزهر الشريف

ألا هل بلغت اللهم فاشهد

د/إسماعيل عبد الرحمن

أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر

ورئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

إلى شهداء سيناء : كبار الصحابة رضي الله عنهم لقوا ما لقيتم فاسعدوا

الأحد، 1 فبراير 2015


بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن 
لقد عانى الإسلام منذ عصره الأول من المتشددين في الدين والمغالين فيه ولذا حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين لنا صفاتهم في روايات عدة منها :
1- منها ما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : ” بَعَثَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ قَالَ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَقَالَتْ يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا فَقَالَ إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ قَالَ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ قَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي قَالَ فَسَأَلَ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ فَمَنَعَهُ قَالَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ ” (متفق عليه )
2- عن أبي سلمة وعطاء بن يسار رضي الله عنهما أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها قال لا أدري من الحرورية ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فيقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء ” (متفق عليه )
3- قال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ” (أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد )
4- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سِيمَاهُمْ قَالَ التَّحْلِيقُ ” ( أخرجه أبو داود وأحمد )
وقد تحقت تلك الصفات في أول فرقة ظهرت في الإسلام وهم الخوارج فهم أصحاب دين وصلاح يقرأون القرآن ويقتلون المسلمين الذين يخالفونهم الرأي وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم قتلى هؤلاء الخوارج بالجنة وممن نال هذا الشرف من الصحابة رضي الله عنهم على أيدي هؤلاء المارقين من الدين كالزبير بن العوام وعبد الله بن خباب بن الأرت وزوجه التي بقروا بطنها وهي حبلى وعلي بن ابي طالب رضى الله عنهم فليس مستغربا على هؤلاء وأتباعهم أن يقتلوا الصائمين عند إفطارهم أو المرابطين في حراسة بلاد الإسلام وثغروها كسيناء والعريش أو يشمتوا في قتلهم ويفرحوا بذلك .
وواجب على الدعاة أن يقدموا النصيحة لهم بتذكيرهم بأن الصفات التي وردت في النصوص النبوية الشريفة لا تنطبق إلا عليهم علهم أن يتوبوا ويعودوا إلى رشدهم وإلى الدين القويم والى الامة الوسط التي تنبذ الغلو والتنطع.
كما أن من الواجب علينا تحصين أفراد المجتمع من أن أمثال هذه الطائفة التي حذرنا منها رسولنا صلى الله عليه وسلم وبين خطرها على الأمة والأفراد لما يحققونه من تشويه للدين ورسالة الإسلام .
أما مصرنا الغالية فهي محفوظة بحفظ الله جل وعلا ورعايته ففي الكتب السماوية : مصر خزائن الأرض كلها فمن أرادها بسوء قصمه الله تعالى .
فاللهم انجز لنا وعدك فيمن أراد مصر والمصريين بسوء .
حمى الله مصر ووقاها من كل مكروه وسوء
1 / 2 / 2015 
 
* الأستاذ بجامعة الأزهر رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

الدكتور إسماعيل عبدالرحمن يكتب: لا نريده وزيرا للثقافة

الأحد، 5 أكتوبر 2014


تنهض الأمم بالتمسك بدينها وقيمها وعقيدتها وحضارتها والاعتماد في الوقت ذاته على العلم والعقل والجد والمثابرة ولا تنهض بترك أوامر الله عزوجل ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن للأسف فهناك من السادة الذين يطلق عليهم النخبة – ولا أدري ما هي ضوابطها – من يعتقد خلاف ذلك تماما ومن هؤلاء وزير الثقافة المصري الذي خرج علينا الأسبوع الماضي ليدعو المصريين بفعل الحرام - في أيام هي أفضل الأيام عند الله جل وعلا والتي حثنا فيها رسولنا صلى الله عليه وسلم على الإكثار من فعل الخير والقربات - محاولا أن ينهض بالأمة ثقافيا ويطلق سراحها من قيود التخلف والجمود قائلا: إن مشاهدة اللوحات العارية مسألة تتوقف على التربية الفنية، بدليل أن العالم المتقدم والعربى يوجد به اللوحات الفنية العارية والمجلات المصرية حتى وقت قريب كانت تنشر صورًا عارية، وهذا جمال إنسانى، متسائلًا ما الضرر الذي قد يحدث إذا شاهد الابن لوحة عارية وماذا في ذلك؟
كما قرر في إطار جهوده لكسر قيود التخلف والرجعية: أن الحَجِر على حرية الفكر والإبداع علامة على تخلف الأمة وانحدارها، ولا يوجد فارق بين مصادرة فيلم أو كتاب أو غيره، مشيرًا إلى أن من يريد بناء أمة متحضرة فلا بد من الحرية المسئولة وأنت حر ما لم تضر.
وأضاف رفضه لوقف برنامج الراقصة معللا أن كمية العرى في راقصة البالية أكثر من الراقصة الشرقية، لكن لا يمكن أن تُثير راقصة البالية في الإنسان السوى الغرائز الجنسية، وكلاهما يقدم الفن.
هذه مقتطفات من أفكار وزير الثقافة هداه الله جل وعلا ورده إلى الحق فإذا كان هذا هو فكره وتفكيره لنهضة الأمة فهو بذلك محارب لقيم الإسلام وأخلاقه وأصوله وهو فكر لا يؤهل صاحبه لتولي وزارة مهمتها نشر الثقافة لمجتمع متدين من المسلمين والمسيحين فالقيم الاخلاقية في الديانات السماوية واحدة فأي عقيدة واي دين ذلك الذي يبيح العري والابتذال ومخالفة مقدسات الدين وركائزه ألم يقرأ هذا الوزير قوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" ( سورة النور الآية 15 ).
وقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة " ( أخرجه مسلم ) وقوله صلى الله عليه وسلم: " على كل نفس من بني آدم كتب حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين زناها النظر والآذان زناها الاستماع واليد زناها البطش والرجل زناها المشي واللسان زناه الكلام والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك ويكذبه الفرج"

وغير ذلك الكثير والكثير من النصوص القرآنية والنبوية التي تحرم النظر إلى ما حرم الله وتحذر فاعله من عقاب الله جل وعلا.
لذا فإننا كمواطنين مسلمين لا نقبل بهذا الفكر ولا نريده لا هو ولا ثقافته المستمدة من مناهج الشيطان التي تسعى لمخالفة الرحمن أكد ذلك الوزير في قوله: إن الكتب لها قدسيتها حتى ولو خالفت مقدسات الدين الإسلامي.
وهذا أكبر تحد لمشاعر المسلمين وتحقير لمقدساتهم وتحرر من نصوص شريعتهم التي لن يفلحوا الا بالعمل والتمسك بها قال صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه "( موطأ الإمام مالك).
اللهم بلغت اللهم فاشهد

كيف نغتنم العشر الأول من ذي الحجة

السبت، 27 سبتمبر 2014

بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن
أقسم الله تعالى في أول سورة الفجر بالليالي العشر (وليال عشر ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي عشر ذي الحجة ، والقسم بها فيه تنبيه لفضلها ومكانتها والذي فصله النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر ، قالوا:  يا رسول الله  ولا الجهاد في سبيل الله قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " (أخرجه أبو داود وابن ماجة )
والعمل في الإسلام لا يكون صالحا إلا إذا كان خالصا لله تعالى وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم ومحبة الله تعالى للعمل الصالح محبة لفاعله ودعوة إلى المسارعة إليه وهو في هذه الأيام العشر أشد إلزاما ولذا وجب علينا اغتنام هذه الأيام المباركة بكثرة الأعمال الصالحة ومن أهمها ما يلي  :
أولا : أداء مناسك الحج والعمرة.
وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (متفق عليه).
ثانيا : الابتعاد عن المعاصي وإمساك الجوارح عنها في هذه الأيام أشد ويوم عرفة خاصة له فضل عظيم فعن الفضل بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة "( أخرجه البيهقي ) وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال:كان فلان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة قال فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا قال وجعل الفتى يلاحظ إليهن قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له" ( أخرجه أحمد وغيره ) ومنها الإمساك عن الشر ففي الحديث :" على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد قال يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال قيل أرأيت إن لم يستطع قال يعين ذا الحاجة الملهوف قال قيل له أرأيت إن لم يستطع قال يأمر بالمعروف أو الخير قال أرأيت إن لم يفعل قال يمسك عن الشر فإنها صدقة " ( أخرجه مسلم والنسائي وغيرهما )
 ثالثا : المحافظة على أداء فرائض الإسلام والإكثار من النوافل والصدقات وفعل الخيرات ومنها كظم الغيظ والعفو عمن اساء الينا.
رابعا : الإكثار من الذكر فعن ابن عمر رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " ( أخرجه أحمد وغيره )  وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وكبر محمد بن علي خلف النافلة ( أخرجه البخاري )
خامسا : كثرة الدعاء والتضرع الى الله عز وجل فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم :"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة " ( اخرجه الترمذي وغيره )
 سادسا : الصيام وصوم يوم عرفة خصوصا فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"  صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " (أخرجه مسلم وغيره )
سابعا: صلة الرحم فعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أضحى:"ما عمل ابن آدم في هذا اليوم، أفضل من دم يهراق، إلا أن يكون رحما مقطوعة توصل" ( أخرجه الطبراني وغيره ) .
ثامنا : الأضحية لمن عنده سعة فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" ( أخرجه أحمد وغيره  )

الدكتور إسماعيل عبد الرحمن لإبراهيم عيسى : منكر عذاب القبر منكر للكتاب والسنة

الأحد، 27 يوليو 2014



بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن *
طالعتنا وسائل الإعلام منذ أيام بخبر على لسان الإعلامي إبراهيم عيسى بعنوان " مفيش عذاب في القبر " فحاولت التثبت من الخبر فتبين صحته حيث قال الإعلامي ابراهيم عيسى هداه  الله جل وعلا ببرنامجه مدرسة المشاغبين  : ( عملوا حكاية عذاب القبر لتخويف الناس مفيش عذاب قبر ) .
وهنا نوجه سؤالا لإبراهيم عيسى ومن على شاكلته ممن أنكروا عذاب القبر فأقول :
إذا ثبت بنص في الكتاب والسنة أو هما معا وجود عذاب القبر فهل يجوز لمسلم عاقل أن يتركه لقول إنسان مهما كان علمه أو عقله أو فكره .....؟

الإجابة واضحة فالعاقل يقدم النص الشرعي لأن فيه العصمة من الضلال أما العقول فقد يعتريها الزيغ والضلال خاصة إن عارضت نصوص الشرع أو خالفتها .
ولن أسرد أدلة ثبوت عذاب القبر وإنما أكتفي ببعضها ومنها قوله  جل وعلا : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .." (سورة الحشر من الآية 7 )  " وقوله تعالى : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول .." ( سورة المائدة من الآية 92 ) وامتثالا لأمر ربنا جل وعلا في كتابه الكريم فقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من عذاب القبر ولا يعقل أن يأمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من شيء غير موجود فالواجب على كل مسلم أن يتعوذ من عذاب القبر
ففي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر " (أخرجه مسلم وغيره )
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه  قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال :  استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا...." (أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما )
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر " ( أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما )
وكيف لا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم التعوذ منه ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو قائلا : "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر " .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يُسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينًا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة، ولو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما نبتت خضراء " (أخرجه ابن حبان والدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم )
ومما تقدم يتضح  أن إنكار عذاب القبر هو في ذاته إنكار لنصوص الشرع الواردة في الكتاب والسنة  التي تلزم المسلمين  بالإيمان بتلك المرحلة الغيبية بعد الموت وأن لا نأخذ تصورها إلا من النصوص الشرعية لا من العقول الآدمية التي سمحت لنفسها بعصيان أمر ربها وترك سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وهذا هو الهوي المتبع الذي حذر من النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه .." ( أخرجه الطبراني والبيهقي وغيرهما ) .
وختاما أوجه نصيحتي للأستاذ إبراهيم عيسى هدانا الله تعالى وإياه بأن يراجع نفسه ويسلك مسلك الحق ويتب إلى الله جل وعلا من معتقدات المعتزلة والخوارج وأن يتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة قال تعالى : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " ( سورة ق الآية 37 )* الأستاذ بجامعة الأزهر رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

أيها المسلمون اغتنموا رمضان قبل فوات الأوان

السبت، 28 يونيو 2014

(بقلم فضيلة الشيخ الدكتور إسماعيل عبد الرحمن)
هذا الترغيب والترهيب ورد صريحا في الحديث الذي أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما من رواية أبي هريرة وجابر وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمصان فانسلخ قبل أن يغفر له وفي رواية رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك أبواه عند الكبر فلم يدخلاه الجنة "
رمضان واحد من مواطن ثلاثة لغفران الذنوب وتكفير المعاصي ذكرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدفعنا لاغتنامها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم :" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .
ما دمنا قد سلمنا بأن رمضان موسم للرضا والغفران فواجب على كل مسلم ومسلمة ألا يفوته هذا الموسم لأن فواته دون حصول المغفرة خيبة وخسران وذل وهوان وهو ما عبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله : "رغم أنف" أي التصق بالتراب وهو كناية عن الذلة والهوان .
كيف نغتنم رمضان ؟
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي أربعة عناصر :
العنصر الأول : بيان مكانة الصوم ومنزلتها في الإسلام .
العنصر الثاني : بيان فضائل شهر رمضان .
العنصر الثالث : سبل اغتنام شهر رمضان .
العنصر الرابع : شروط قبول الصيام .
ونوجز القول في كل عنصر منها فيما يلي :
·    العنصر الأول -  بيان مكانة صوم رمضان ومنزلتها في الإسلام.
أوجب الله تعالى الصيام على كل مسلم ومسلمة بشروط حددها الفقهاء فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( سورة البقرة الاية 183 )
وقال تعالى : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " ( سورة البقرة الآية 185 ) .
هذا الواجب بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلته في الدين الإسلامي فيما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا "
ولذا كان صوم رمضان أحد أركان الإسلام التي لا يتم إلا بها .
·    العنصر الثاني -  فضائل شهر رمضان .
فضائل شهر رمضان عديدة وكثيرة ونذكر منها :
1-    باب من أبواب المغفرة .
قال تعالى : " وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " ( سورة الأحزاب من الآية 35 )
وقال صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . متفق عليه
2-    أن الصوم نصف الصبر .
قال صلى الله عليه وسلم : " الصوم نصف الصبر " ( ابن ماجة والترمذي وحسنه ) ، وحيث إن الصبر نصف الإيمان لما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : " الصبر نصف الإيمان " ( البيهقي والمنذري وقال حديث حسن ) .لذا كان الصوم ربع الإيمان .
وإذا كان الصوم قد احتوى أنواع الصبر الثلاثة الصبر على الطاعة والصبر على المعصية والصبر على الابتلاء فإن الصائم داخل في زمرة من يوفون أجرهم بغير حساب قال تعالى : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " . (سورة الزمر من الآية 10)
3-    اختصاص رب العزة جل وعلا بمجازاة الصائم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ( رواه البخاري )
4- . فتح أبواب الجنة وغلق أبواب الناروتصفيد الشياطين .
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " . ( رواه مسلم )
وفي هذا الحديث ترغيب للإقبال على الطاعات والاستزادة منها حينما تتحقق هذه المقدمات التي تدفع المسلم إلى اغتنام رمضان .
5-    فيه ليلة القدر .
قال تعالى : " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) .( سورة القدر)
وقال صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، من صام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( رواه البخاري )
وقال صلى الله عليه وسلم : "آتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، و تغلق فيه أبواب الجحيم ، و تغل فيه مرده الشياطين ، و فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " ( أحمد والنسائي وصححه الألباني ) .
6-    شفاعة الصيام يوم القيامة .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " ( رواه أحمد وإسناده صحيح وحسنه الألباني ) .
7-    الوقاية من النار والمعاصي .
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " والصيام جنة " .
وقال صلى الله عليه وسلم : يا كعب بن عجرة : الصلاة برهان والصوم جنة حصينة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار " ( رواه الترمذي وصححه الألباني ) .
وقال صلى الله عليه وسلم مبينا محل الجنة : " الصيام جنة يستجن بها العبد من النار " ( رواه أحمد وحسنه الألباني ) .
8-    دخول الجنة من باب الريان .
قال صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة بابا يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال أين الصائمون ، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق ، فلن يدخل منه أحد .( رواه البخاري ومسلم ).
9-    الجود ومدارسة القرآن .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة .( رواه البخاري ومسلم ).
وقال صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائما كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" ( رواه الترمذي وحسنه ).
10 – العمرة .
قال صلى الله عليه وسلم لأم سنان الأنصارية : ما منعك من الحج . قالت : أبو فلان ، تعني زوجها ، كان له ناضحان حج على أحدهما ، والآخر يسقي أرضا لنا . قال : فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي .( رواه البخاري ) .
·    العنصر الثالث - سبل اغتنام بركات رمضان .
1-    إمساك الجوارح عن المعاصي واستعمالها في الطاعة .
2-    صيام يومه .
3-    قيام ليله وأقلها صلاة التراويح .
4-    مدارسة القرآن وكثرة تلاوته والاستماع إليه  .
5-    الجود والكرم وإطعام الطعام خاصة الفقرآء والمساكين .
6-    إفطار الصائم ولو كان غنيا .
7-    الإكثار من النوافل والقربات .
8-    الاعتكاف في العشر الأواخر .
9-    الصبر على سب الآخرين وآذاهم .
10-    تحري ليلة القدر .
11-    كثرة الذكر والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
12-    أداء العمرة لمن قدرعلى ذلك .
13-    التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وآداب الصيام نحو تعجيل الفطور على رطبات أو تمرات أو ماء والدعاء عند فطرة والسحور ولو على جرعة ماء .
·    العنصر الرابع -  شروط قبول الصيام .
الشرط الأول : الإخلاص .
وهو أن يبتغي بصومه وجه الله تعالى خالصا لوجههه الكريم .
الشرط الثاني : أن يستوفي أركان الصيام وآدابه .
الشرط الثالث : أن يمسك جوارحه عن المعاصي وهو ما يسميه حجة الإسلام الغزالي رحمه الله : صوم الخواص لأن صوم العموم هو من صام عن الطعام والشراب والشهوة فقط وترك لجوارحه عنان المعصية من غيبة ونميمة وكذب ونظر للحرام وهؤلاء لا فائدة من صيامهم ، بقوله صلى الله عليه وسلم " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، و رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" ( رواه ابن ماجة وأحمد والحاكم ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه " ( رواه البخاري ) .
وفي هذين الحديثين تحذير لمن يضيع صيامه سواء في نهاره أو ليله بالاستماع إلى الحرام أو النظر إليه كما يحدث من مشاهدة بعض الأفلام والبرامج الإعلامية والأعاني التي تعرض لمفاتن المرأة وعورتها ومن هذا القبيل ما يحدث على شبكة الإنترنت من المحادثات الغير مشروعة بين الرجال والنساء .
الشرط الرابع : الصبر على أذى الآخرين وجهلهم .
ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا أصبح أحدكم يوما صائما ، فلا يرفث ولا يجهل . فإن امرؤ شاتمه أو قاتله ، فليقل : إني صائم . إني صائم " .
نسأل الله تعالى أن يجعل صومنا مقبولا وذنبنا مغفورا وعملنا متقبلا وتجارتنا لن تبور .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

رمضان والمسلسلات

الجمعة، 27 يونيو 2014


بقلم الدكتور /إسماعيل عبد الرحمن *

قد يظن البعض أن مجرد الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة يحقق الصيام المطلوب ونسي أو تناسى أن الصوم لا يقع إلا بصوم الجوارح عن المعاصي ولا يثمر إلا بتأثيره في سلوك الصائم بعد صومه .
فالصوم عبادة طويلة قد تصل في بعض الأوقات إلى ستة عشر ساعة يوميا يمسك فيها الصائم عن كل المفطرات وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم جنة أي وقاية للصائم من اقتراف الذنوب والمعاصي ومن ثم يكون وقاية له من نار جهنم يوم القيامة .
والصيام كذلك وسيلة لتهذيب النفس وترويضها على محاسن الأخلاق فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه " (متفق عليه )
 والرفث يطلق على الجماع ومقدماته  وكلاهما وعلى القول الفاحش والبذاءة فيه والصخب هو رفع الصوت وكلاهما محرم على الصائم ليس ذلك فحسب بل على الصائم أن يصبر على أذى غيره كما قال صلى الله عليه وسلم : "فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم ".
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الصائمين من ارتكاب الذنوب التي تؤثر في صيامهم وربما ترده على صاحيه فلا يقبل صومه قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ( أخرجه البخاري وغيره ) .
وفي رواية أخرى : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر " ( أخرجه ابن ماجة وأحمد ).
وقد يفهم البعض أن الصيام ينتهي أثره ووقته عند الإفطار ومن ثم يسمح لنفسه أن يضيع ليل رمضان فيما لا يرضي الله جل وعلا بالتواصل الغير مشروع على شبكة الانترنت والمواقع الاجتماعية ومشاهدة الأفلام والمسلسلات التي لا تخلو من الأقوال والأفعال المحرمة ناهيك عن تنافس بعض القنوات الفضائية على عرض المسلسلات الرمضانية التي تمتلئ بالمصائب والخطايا والذنوب ومالا يرضي الله عزوجل وما يتناقض مع حرمة هذا الشهر الذي هو موسم لتهذيب النفس وابتعادها عن الحرام ولذا فإن أصحاب هذه القنوات والمشاهدين لما يعرض عليها يتحملون من الوزر الكثير .
وأقول للصائمين الذين يضيعون رمضان بمشاهدة المسلسلات إنكم تضيعون ثواب صومكم وتذهبون بعبادة ثمانية عشر ساعة من انقطاع عن المعاصي بمعصية الله عزوجل ولا ينالكم من صومكم سوى الجوع والعطش .
ولذا فإني أذكر إخواني الصائمين والصائمات بأن مقاطعة البرامج والمسلسلات والأفلام التي تحتوي على المنكرات والشهوات أمر واجب على كل مسلم ومسلمة في كل وقت وحين وفي رمضان أشد إلزاما ووجوبا  .

·    الأستاذ بجامعة الأزهر رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

شهر شعبان موسم لنبذ الفرقة والبغضاء بين المسلمين

الاثنين، 2 يونيو 2014


بقلم فضيلة الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن *
الأيام في الإسلام كلها عبر ودروس والسعيد من اغتنمها في الطاعات قال جل وعلا : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " (سورة الفرقان الآية 62 )
وشهر شعبان فيه من العبر الكثير ومنها ما نحن في أمس الحاجة إليه في هذه الأيام التي انتشر فيها الفحش بالقول والفعل بين المسلمين حتى تقاطعوا وتدابروا وتخاصموا من أجل الدنيا والدين براء من كل ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله : وكل مسألة حدثت وطرأت فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء .....
وديننا الحنيف يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف وكل ما أدى لخلاف ذلك فهو تخارج عن الدين .
ومن أجل دوام التراحم والمودة بين المسلمين حجب الله جل وعلا مغفرته ورحمته عن المسلمين المتخاصمين في موطنين أسبوعيا وفي موطن سنوي أما الموطنان الأسبوعيان فهما يوما الإثنين والخميس قال صلى الله عليه وسلم :" تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اركوا هذين حتى يصطلحا اركوا هذين حتى يصطلحا " ( أخرجه مسلم وغيره )
وأما الموطن السنوي ففي شهر شعبان يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " ( أخرجه ابن ماجة وابن حبان وغيرهما )
والمشاحن هو : المعادي ، والشحناء : العداوة والمخاصمة والمقاطعة وتشمل كل صور قطع المودة والتواصل بين المسلم وأخيه والداعي إلى ذلك من دعاة الفتنة .
فيجب علينا أيها الإخوة الكرام أن نحظى جميعا بمغفرة الله جل وعلا ورضوانه ولن يتحقق ذلك إلا بتنقية قلوبنا من الشحناء والبغضاء والغل والحسد نحو اخواننا المسلمين حتى ولو خالفونا الرأي وتفعيل المودة والتراحم سلوكيا في حياتنا حتى تتحق فينا أخوة الإسلام ونختم حديثنا بما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :" قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ قال : كل مخموم القلب صدوق اللسان ، قالوا:  صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال : هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد " ( أخرجه ابن ماجة وغيره )
أسأل الله أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد وأن يجمع بين قلوب عباده ويؤلف بينهم .

 *  الأستاذ بجامعة الأزهر رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر
https://www.facebook.com/Dr.EsmailAbdElrahman


من غايات الاسراء والمعراج

الأحد، 25 مايو 2014


بقلم الدكتور إسماعيل عبد الرحمن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .....،
فإن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم معجزتا الاسراء والمعراج وهما معجزتان ثابتتان في القرآن والكريم والسنة المطهرة فيهما من الغايات والثمرات الكثير ولا ينبغي أن تمر هذه الذكرى مرور الكرام دون اغتنام ما فيها من دروس وعبر وغايات وثمرات من هذه الغايات :
الغاية الأولى : زيادة اليقين الايماني عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:" لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا" فالله سبحانه تعالى يريد أن يجعل لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خصوصية، وأن يُريه من آيات الغيب الذي لم يَرَهُ أحد، ليرى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حفاوة السماء به، ويرى مكانته عند ربه جل وعلا
الغاية الثانية : تأكيد منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانته بين الانبياء وعموم رسالته وهذا ما يشير اليه قوله تعالى: " إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله " لذلك أراد الحق سبحانه أن يلفت إسرائيل إلى عموم رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ومن هنا جعل بيت المقدس قبلةً للمسلمين في بداية الأمر، ثم أسرى برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليه: ليدلل بذلك على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين.
الغاية الثالثة : الاهتمام ببيت المقدس والحفاظ عليه لأنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى وثالث المساجد التي تشد اليها الرحال والتاريخ يقول ان دخول القدس تحت امارة المسلمين وحكمهم من امارات عزتهم وتقوتهم وانتزاعها من سلطان المسلمين امارة ضعفهم وذلهم كما هو الحال الآن
الغاية الرابعة: المنح الربانية للأمة المحمدية والمستفادة من قوله تعالى : "فأوحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى"
وفي هذا الذي اوحاه الله تعالى ليلة الاسراء والمعراج عطايا للامة المحمدية نذكر منها ما ورد في السنة المطهرة :
1-حديث عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال { إذ يغشى السدرة ما يغشى }قال فراش من ذهب قال فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات ( مسلم والترمذي واحمد )
2- حديث انس رضى الله عنه : فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه ( مسلم واحمد)
3-وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه : أوحى إليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى إلى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك
ومن مجموع هذه النصوص الكريمة يمكن حصر المنح الآلهية للأمة المحمدية ليلة الاسراء والمعراج في العديد ومنها: فرض الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة ومغفرة الله تعالى لمن مات غير مشرك بالله تعالى ولم يأت الكبائر ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة و أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى الأمم حتى تدخلها أمتكالغاية الخامسة : تثمين الامة المحمدية لهذه المنح الآلهية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته وهذا يستلزم قيام كل مسلم بما يلي :
1-دوام حمد الله تعالى وشكره على تكريمه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والحمد الثاني ان اكرمنا بالانتماء لهذه الامة
2-توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ومعرفة قدره عندربه جل وعلا ومن ثم محبته والتمسك بشريعته
3-تقدير مكانة المسجد الاقصى والمشاركة في تحريره ولو بالدعاء وذلك اضعف الايمان
4-تفعيل المنح الآلهية للأمة الاسلامية تفعيلا عمليا يؤثر في سلوكنا واخلاقنا
المنحة الاولى : الصلاة التي توصلنا الى الله تعالى وتنقي ارواحنا من الفحشاء والمنكر
فالمسلم الذي يصلي ويسب غيره او يلعنه او يفسد في الارض بالقول والفعل لم يستفد من صلاته لقوله تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ "
وعن عمران بن حصين رضى الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر } فقال : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له » (ابن أبي حاتم وابن مردويه)
والمنحة الثانية وهي حفظ خواتيم سورة البقرة بقراءتهاكل ليلة فعن أبي مسعود رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ( متفق عليه)
وعن أبي ذر رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن ، وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء »( البيهقي)
و المنحة الثالثة تجنب الوقوع في كبائر الذنوب ومن وقع سارع بالتوبة والندم والاستفغار
و المنحة الرابعة الاكثار من فعل الطاعات أو العزم على فعلها فمجرد العزم على الطاعة طاعة يثاب فاعلها والابتعاد عن المعاصي وترك فعلها عند العزم عليها خوفا من الله تعالى
ما تقدم كان محاولة لاحتفال عملي لمعجزتي الاسراء والمعراج احتفالا يدفع المسلمين الى الوقوف على حقيقة مكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واثر ذلك على امته التي سمت بسموه صلى الله عليه وسلم وصدق القائل :
لما دعا الله داعينا لطاعته                          بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

محبة الوطن

الاثنين، 21 أبريل 2014



بقلم الأستاذ الدكتور /إسماعيل عبد الرحمن *

 قد يظن البعض أن الوطن الذي ولد فيه الانسان وتربى على أرضه وعاش في كنفه لا حقوق له عليه وأن شأنه شأن أي بلد آخر وأنه طالما لم يوفر له هذا البلد فرصة للحياة الكريمة فإن غيره من البلاد التي توفر ذلك هي أحق بالمحبة من وطنه وبلده ولذا فانه يفقد هذا الانتماء الوطني وهو لايدري أنه بذلك قد خالف فطرة الانسان القويم ومنهج الدين الحنيف الذي أكد محبة الوطن في العديد من النصوص والمواقف فمن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمكة وهو يودعها : " ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ". (أخرجه الترمذي ) وفي هذا الحديث يبين لنا مدى محبة رسولنا صلى الله عليه وسلم للبلد الذي ولد وفيه وتربى فيه ومدى حزنه على فراقه ومغادرته وذلك لا يحول دون محبة أي بلد آخر عشت فيه وتمتعت بخيراته ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله جل وعلا أن يحبِّبَ إليه المدينة لما لها من فضل في احتضان الدعوة ونشر الدين ؛ كما في الصحيحين: "اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ "  (رواه البخاري ومسلم )

ولقد بلغت درحة محبة  النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة أنه كان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: "كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه – أي: أسرع بها - وإن كانت دابة حرَّكَها"، قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبِّها"( أخرجه البخاري )

ولما كان الخروج من الوطن يبعث على الحزن، ويُسبِّب كلَّ هذا الألم،  قرن الله عزوجل في كتابه الكريم حب الديار مع محبة النفس وأن كلا منهما أمر متأصل في النفوس عزيز عليها في قوله تعالى : " وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (سورة النساء66)

وورد في نص آخر قول الله سبحانه وتعالى "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (سورة الممتحنة8)

ويقول الشاعر : بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ        وَأَهْلِي وَإِنْ  ضَنُّوا  عَلَيَّ  كِرَامُ

وقال الجاحظ: "كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملًا وعفرًا تستنشقه".

ويقول الإمام الغزالي رحمه الله : "والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص".

وإن من أمارات المحبة للوطن الدعاء له ولنا في إبراهيم عليه السلام القدوة فلقد دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء قال الله  تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير " (البقرة: 126)

فحب الوطن إذا مشروع وثابت بالكتاب والسنة، ، ومن ثم فمن أحب وطنه كان مستقيماً ومتسقا مع الفطرة السليمة، ومن قصد بحب وطنه إتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء في هذه المحبة وعمارة الكون التي هي من أهم رسالة الإنسان في الوجود بعد عبادة الله تعالى كان مأجوراً ومثابا، وعضوا فعالاً في وطنه ومن ثم أمته الإسلامية.

وفي المقابل من فقد هذه الفطرة الإنسانية وأصابته بلادة الشعور والإحساس بفضل الأرض التي ولد عليها وعاش فيها فلا يعرف قلبه حباً لوطنه ولا شوقا ولا انتماء إليه، كان هذا الإنسان غير جدير بالمواطنة، وليس ذلك فحسب بل إنه إنسان غير مستقيم الفطرة، مخالف في ذات الوقت لهدى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ يصبح عضوا غير فعال ، سلبيا في عطائه لوطنه، مما يؤثر في تخلفه عن ركب الحضارة والتقدم.

وعلى ذلك فلا بد وأن يتحقق حب الوطن في كل فرد فينا تحققا عمليا لا قوليا فحسب و ذلك بعمارة الارض والعمل الصالح الذي ينصلح به حال البلاد والعباد ومن ثم نحقق له رفعته  وتقدمه  وازدهاره  وهذا يستلزم نبذ الفرقة والخلاف والعصبية التي تهدم البلاد وتفرق بين العباد وأن نكون جميعا جسدا واحدا  كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ( متفق عليه (

أسأل الله جل وعلا أن يعم مصرنا  وجميع  البلدان بالأمن والسلام وان يوفقنا لعزة الاوطان في طاعة الرحمن

  *الأستاذ بجامعة الأزهر رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

من حقوق الإنسان في دولة الاسلام (1)

الجمعة، 7 مارس 2014


بقلم الدكتور / إسماعيل عبد الرحمن *
لقد كفل الإسلام للإنسان حقوقا عدة وأوجب على ولاة الأمر السعي إلى تحقيقها والمحافظة عليها ولم يكفل دين أو دستور أو قانون آخر ما كفله الإسلام للإنسان من حقوق وواجبات على نحو يحقق العدل دون تمييز بين لون أو جنس أو لغة وسأستعرض في هذا المقال حقين من الحقوق هما : الحرية والمساواة .
الحق الأول - الحرية :
أعطى الإسلام للإنسان حرية الاختيار في أعظم الأمور وأخطرها في حياته وهو اختيار الدين واعتناقه فقال جل وعلا " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "( الكهف : 29 ) وقال تعالى "لا إكراه في الدين "( البقرة : 256 )  فهذه الآيات ونحوها تؤصل لحرية العقيدة وحرمة الإكراه على اعتناق الدين وفي ذلك تقول أختي الفاضلة الأستاذة الدكتور عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) رحمها الله تعالى  : فالحق أن الإسلام في إقراره لحرية التدين يفرضها على المؤمنين به تكليفا ويلزمهم بها تجاه غيرهم دينا وعقيدة وسلوكا لا لمجرد التسامح أو المجاملة والمسالة .
وهو يبدأ أول ما يبدأ فيأخذ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا المبدأ اتقاء لما قد يدفعه الإيمان من أخذ الناس قسرا بالدين الحق وهو ما يأباه الإسلام نصا وروحا إلزاما للإنسان بحمل الأمانة ولأن العقيدة لا تكون عقيدة حتى تصدر عن اعتقاد والإيمان لا يكون إيمانا حتى ينبع من القلب والضمير عن رضى خالص وطمأنينة صادقة .
ولا خير في كلمة ينطق بها اللسان زورا ويكفر بها القلب فذلك هو النفاق الذي يعده الإسلام شرا من الكفر الصريح .
وإذا كان الإسلام أقر حرية الاعتقاد فإنه قد أقر ما دونها من باب أولى ومن ذلك حرية التعبير عن الرأي الذي ربى النبي e الصحابة رضي الله عنهم عليه وأخذ به العهد والميثاق ففي حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ " بايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ e عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ " .( متفق عليه  )
وقد فتح الإسلام باب التعبير عن الرأي من خلال طرق عديدة منها : الاعتراض على الحاكم ومناقشته ومنها المشورة ومنها الاجتهاد في الأحكام الشرعية ونحوها ولم يترك الإسلام حرية التعبير عن الرأي مطلقة - حتى لا يؤذي الإنسان غيره أو ينشر الفساد في الأرض بحجة أنه يمارس حقه المشروع – وإنما قيدها بألا تخالف نصا أو إجماعا وألا تلحق أذى أو ضررا بأحد .
الحق الثاني - المساواة :
لقد أتى الإسلام ليقضي على مظاهر التفرقة بين الناس والتمييز العنصري بشتى أشكاله وصوره في نداء موجه إلى البشرية جمعاء من رب العباد في قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات : 13 ) وبين الرسول e أن الناس في الإسلام سواسية لا تمييز بينهم إلا بالتقوى فقال e :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى "(أخرجه البيهقي والطبراني )
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عواقب عدم تحقيق المساواة بين افراد المجتمع فعن عائشة رضي الله عنها : " أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ( متفق عليه)
وعن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- «أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثمّ بدا له، فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟ «قال: لا. قال «فلا تشهدني إذا، فإنّي لا أشهد على جور» ( مسلم)
والمساواة في الاسلام تشمل المسلم وغير المسلم يقول صلى الله عليه وسلم :«من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ( ابوداود والبيهقي)
عن أنس رضي الله عنه (أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم. قال: عذتَ معَاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو - رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط واضربه. فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب والله لقد ضربه ونحن نحب ضربه؛ فلما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال للمصري: ضَعْ على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إِنّما ابنه الذي ضربني وقد استَقَدْت منه. فقال عمر لعمرو؛ مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني)
*أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر ورئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط

أستاذتي وشقيقتي بنت الشاطئ رحمها الله تعالى

الاثنين، 11 نوفمبر 2013

بنت الشاطئ وشقيقها الدكتور إسماعيل عبد الرحمن
  لست أدري كيف أبدأ ومن أين أبدأ الكلام عن أختي وأستاذتي ووالدي بعد والدي وشيخى بعد شيخي الأستاذة الدكتور عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ )، وأنه لشرف كبير لنا نحن أبناء العارف بالله الشيخ محمد علي عبد الرحمن أن تكون أختنا عائشة الركن الركين في عائلتنا، فلقد كانت رحمة الله عليها تتبع أحوالنا وتسعد باللقاء الذي يجمعنا فتضمنا تحت جناحها فكأننا بين يدى أب وأم كليهما يحنو ويعطف وكانت تطعم تلك اللقاءات بلمحات وومضات علميه وخلقية وأدبية تزيد اللقاء نورا وبهجة.

"لقد كنت أصغر إخوتها وقد ولدت في نفس العام التي حصلت فيه الدكتورة عائشة على درجة الدكتوراه، ولذا كانت حريصة كل الحرص على أن أدرس بجامعة الأزهر لأن والدي رحمة الله عليه كان من كبار رجال وعلماء الأزهر الشريف، وتابعت الدكتورة عائشة خطواتي العلمية في الماجستير والدكتوراه خاصة مع تخصصي أصول الفقه، وعندما كنا نناقش مسألة من مسائل الفقه أجد نفسي أمام أصولي متبحر ضليع في هذا الفن يوجه تلاميذه توجيها سديدا، فلقد كان طابع لقائي معها هو المحاور، والمناقشه العلمية ولن أنسى أننا جلسنا يوما ساعتين نطوف حول آية واحدة هي: "ألهاكم التكاثر".



بنت الشاطئ وشقيقها والدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر الحالي
لقد كانت بنت الشاطئ رحمها الله تعالى فريدة عصرها وأستاذة زمانها فلقد جمعت بين مدرستين مدرسة أبيها الذي كان من كبار علماء مشيخة دمياط، تلك المدرسة القائمة على محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، ومدرسة زوجها فضيلة الأستاذ الدكتور أمين الخولي رحمه الله تعالى التي ركزت على دور العقل والفكر في النهوض بالأمة، فكانت خير نموذج للمرأة المسلمة التي بلغت أرفع المناصب وصنفت العديد من الكتب في شتى الفنون والعلوم، وأصبحت قدوة لسيدات وبنات المسلمين، وهي التي فتح الله عليها فتعاملت مع كتاب الله تعالى في الإعجاز والتفسير البياني، وتعاملت مع السنة في وعلومها من خلال مقدمة (ابن الصلاح)، وتعاملت مع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال كتاب (المصطفى صلى الله عليه وسلم وتراجم بيت النبوة)، كما تعاملت مع القرآن الكريم من خلال مؤلفات عديده منها نحو (لغتنا.. الحياة وتراثنا بين ماض وحاضر.. قيم جديده للأدب العربي).

ولقدكانت من أعلام الأمة جاهدت بالعلم والقلم للدفاع عن دين الله، وتُمثِّل مسيرتها في طلب العلم والكفاح من أجل الدراسة في الجامعة في زمنٍ كان يقتصر فيه دور المرأة على المنزل، وفي البحث والكتابة في قضايا الفكر الإسلامي -نبراسًا لأجيال متتالية ولا شك أن مسيرتها وإسهاماتها ستظل علامة مضيئة للمرأة المسلمة المعاصرة ورصيدًا فكريًّا في الساحة الإسلامية كما أنها تبوأت رحمها الله تعالى مكانة عظيمة في عصر التقدم والحضارة من خلال تصديها لمن حاول أن ينال من منزله المرأة حيث شمرت عن ساعدها ونادت في أكبر المحافل وأعظمها أن الإسلام حفظ للمرأة كرامتها ورفع قدرها.


بنت الشاطئ وشقيقها والدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر الحالي

فرحمة الله على أختي وأستاذتي الجليلة الدكتور عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ

متظاهروا الأزهر يحلون الحرام ويخالفون القرآن

الخميس، 31 أكتوبر 2013

بقلم : د/إسماعيل عبد الرحمن
لقد شاهدنا اليوم وقبل ذلك صورا للتخريب والإفساد من الطلاب المتظاهرين بجامعة الأزهر والجامعات المصرية يندى لها الجبين ولا يرضى بها شرع ولا دين وأبدأ خطابي بسؤال هؤلاء ومن يؤيدهم بالآتي  :
ما ذنب الطلاب في حرمانهم من الدراسة ؟ وتكدير أمنهم وسلامتهم في جامعتهم ؟ وما ذنب الأساتذة في حجزهم داخل مكاتبهم ؟ وما علاقة ذلك بالإسلام ؟ وأي حرية يتشدق بها من يرتكبون هذه الأفعال ونحوها من قطع للطرق وإيذاء للمسلمين وسب وشتم ولعن وما شاكل ذلك ؟ وأي آية أو حديث يأمرنا بذلك ؟
ألم يقرأوا ويدرسوا ما في القرآن والسنة من نصوص تنهى عن ذلك ؟
لقد نهانا الله تعالى عن الإفساد في الأرض فقال جل وعلا : " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها "  فمن الذي أحل لكم هذا الإفساد ؟

قد يجيب البعض أن ما نفعله مقابل الإفساد بعزل الرئيس السابق محمد مرسي ، ونرد عليهم بأن ما يفعلونه حرام ومخالف لهدي القرآن الكريم في قوله تعالى : " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم  " وقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا" ، ونذكرهم بمنهج الشريعة الإسلامية في التعبير عن الرأي عند أحد قادتهم وهو الشهيد عبد القادر عودة رحمه الله تعالى في قوله : إن الشريعة الإسلامية تبيح لكل إنسان أن يقول ما يشاء دون عدوان؛ فلا يكون شتاماً ولا عياباً ولا قاذفاً ولا كاذباً، وأن يدعو إلى رأيه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادل بالتي هي أحسن، وأن لا يجهر بالسوء من القول، ولا يبدأ به، وأن يعرض عن الجاهلين. ولا جدال في أن من يفعل هذا يحمل الناس على أن يسمعوا قوله ويقدروا رأيه، فضلاً عن بقاء علاقاته بغيره سليمة ثم بقاء الجماعة يداً واحدة تعمل للمصلحة العامة.( التشريع الجنائي الإسلامي)
وأذكر الطالبات المتظاهرات بأن الشريعة الإسلامية منعت المرأة المسلمة المرمة بحج أو عمرة أن ترفع صوتها بالتلبية وكذا الأذان وقراءة القرآن بحضرة الأجانب خشية الفتنة فمن باب أولى لا يجوز لها رفع صوتها في المظاهرات والاختلاط بالرجال والسب والشتم للمخالف لهن فليس هذا من أخلاق الإسلام فعن أنس رضي الله عنه قال :" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له ترب جبينه "
وختاما أخاطب أبنائي الطلاب والطالبات في شتى الجامعات بالعودة للتفرغ لطلب العلم ونبذ الصراعات والخلافات والبعد عن كل ما من شأنه أن يثير الفتنة وليعلموا أن الصراع على الحكم وصفه بعض الصحابة رضي الله عنهم بأنه قتال على الدنيا والدين براء من كل ما يفرق بين المسلمين ولنكن جميعا مفاتيح للخير كما قال صلى الله عليه وسلم :" إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه "
حفظ الله مصر وشعبها وأزهرنا الشريف من كل سوء .

رسالة إلى طلبة العلم

الأحد، 20 أكتوبر 2013


مع بداية العام الدراسي الجديد أتقدم بخالص التهنئة لأبنائي الطلاب والطالبات وأذكر نفسي وأذكرهم بفضل العلم والتعلم :
 قال جل وعلا :" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " وقال صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر "، ولكي يرزقنا الله جل وعلا العلم وبركته لا بد لنا من الالتزام بما يلي :
أولا :إخلاص النية لله تعالى .
لا بد من أن تكون نية طلب العلم لله تعالى وحده فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها " وفي رواية " فليتبوأ مقعده من النار " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ومن دخله لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له "

قال ابن مسعود رضي الله عنه : لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِثَلاَثٍ : لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَتُجَادِلُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ ، وَابْتَغُوا بِقَوْلِكُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ ؛ فَإِنَّهُ يَدُومُ وَيَبْقَى ، وَيَنْفَدُ مَا سِوَاه .
 يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: أخشى أن من طلب العلم بغير نية أن لا ينتفع .
ثانيا :احترام العلم والعلماء .
فعن  أبي أمامة رضي الله عنه  أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضل العالم علي العابد كفضلي أنا على أدناكم "
ويقول عكرمة – رحمه الله -: إياكم أن تؤذوا أحدًا من العلماء، فإن مَن آذى عالمًا فقد آذى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأنهم حملة كلام الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – الذائدون عن حياضه، المنافحون عن كلامه، رحمهم الله .
ولا بد من طالب العلم أن يوقر أساتذته ويجلهم فعن عَلِيّ رضي الله عنه  قال : مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ عَلَيْكَ : أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً وَتَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ ، وَأَنْ تَجْلِسَ أَمَامَهُ ، وَلاَ تُشِيرَنَّ عِنْدَهُ بِيَدَيْكَ ، وَلاَ تَغْمِزْ بِعَيْنَيْكَ غَيْرَهُ ، وَلاَ تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَداً ، وَلاَ تَطْلُبَنَّ عَثْرَتَهُ ، وَإِنْ زَلَّ قَبِلْتَ مَعْذِرَتَهُ ، وَعَلَيْكَ أَنْ تُوَقِّرَهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ سَبَقْتَ الْقَوْمَ إِلَى خِدْمَتِه .
يقول سفيان الثوري رضي الله عنه يقول : « إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وإن كان قد بلغ من العلم مبلغا فآيس من خيره فإنه قليل الحياء »
ويقول الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي رضي الله عنهم : والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له .
يقول الإمام مالك رضي الله عنه: حقّ على طالب العلم أن يكون فيه وقار وسكينة وخشية واتباع لأثر مَن مضى .
ثالثا : الانشغال بطلب العلم وترك ما سواه .
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال  :  اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة بين ذلك .

وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : لا يزال الرجل عالِماً ما تعلَّم ، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون .
 وقال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى : إنما كنتُ ألقى من الناس أربع رجال : رجلاً أعلم مني فهو فائدتي ، أو رجلاً مثلي فهو يوم مذاكرتي ، أو رجلاً متعلماً مني فهو ثوابي وأجري ، ورجلاً دوني يرى أنه فوقي ؛ فذلك الذي لا أنظر إليه .
يقول الأصمعي رحمه الله تعالى  : « من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا »
وختاما...... فلنحرص على استغلال الوقت فيما ينفع وإياكم والمشاحنات وما شابهها من كل ما من شأنه أن يثير الفتنة ويشغلنا عن رسالتنا فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه " أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير وأن يوفقنا لما فيه صلاح البلاد والعباد
بارك الله فيكم .... ألا هل بلغت اللهم فاشهد
(د/إسماعيل عبد الرحمن)



أثر القرآن الكريم في سلوك العرب وغير العرب

الجمعة، 18 أكتوبر 2013

يتحدث فضيلة الشيخ الدكتور اسماعيل عبد الرحمن عن أثر القرآن في سلوك العرب وغير العرب فيقول :
الحمد لله الذي نزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا والصلاة والسلام على من أيده الله عز وجل بالقرآن مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الذين اتخذوا القرآن منهجا ودليلا .
ما أَحْوَجَنَا اليوم إلى الرجوع إلى القرآن الكريم ، لا لِنتلوه ، ولا لِنَحْكم به ، ولا لِنستمع إليه ، ولا لِنتدبره ، ولا لِنَحفظه ، ولا لِنُبَيِّن وجوه إعجازه ولا لِنَدْرِسَه ونقف على بَعْض أسراره ، وإنَّمَا لِجَمِيع ذلك وغَيْرها مِنْ أسرار القرآن وعجائبه التي لا تنقضي ..
ففي الحديث الذي يعدِّد بَعْض أنواره وأسراره { فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَنُورُهُ الْمُبِينُ وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ ، وَلاَ تَتَشَعَّبُ مَعَهُ الآرَاءُ ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلاَ يَمَلُّهُ الأَتْقِيَاءُ ، وَلاَ يَخْلَقُ بِكَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُه }[ يُرَاجَع : سُنَن الدارمي 2/526 ومشكاة المصابيح 1/661].
لقدْ وقف المسلِمون الأُول مِنْ سلف هذه الأُمَّة على دُرَر القرآن الكريم ورسالته ، فطبعوا طبائعهم وسلوكهم بمنهجه ، وتعلَّموا مِنْ مأدبته ، وتأدَّبوا بأدبه ؛ ففي الحديث { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ ؛ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. إِنَّ هَذَا حَبْلُ اللَّهِ ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عُصِمَ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَا مَنِ اتَّبَعَهُ ، لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ ،وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُه }.
[أَخْرَجَه الدارمي 2/525 وابن أبي شيبة 6/125 وعبد الرزاق3/375 ] .
وفي ذلك يقول القرطبي رحمه الله تعالى :" شبّه القرآن بصنيع صنعه الله عزّ وجلّ لِلناس لهم فيه خَيْر ومَنَافع ثُمّ دعاهم إليه ، يقول " مأدَبَة " و" مأدُبَة " : فمَنْ قال " مأدُبة " أراد الصنيع يَصنعه الإنسان فيدعو إليه الناس ، ومَنْ قال " مأدَبة " فإنّه يذهب به إلى الأدب يَجعله " مفعلةً " مِنَ الأدب " ا.هـ . [تفسير القرطبي 1/6] .
ولِذَا فإنّ العرب المسلِمين السابقين في الإسلام أول مَنْ تأدَّبوا بأدب القرآن ، وإن استطعتَ أنْ تُعَبِّر بمَنْ رَبَّوْا أنفُسَهم وفْق منهج السماء عِنْدما تَمَسَّكوا بالكتاب والسُّنَّة فسادوا الدنيا وملأوا الأرض نوراً وعدلاً ، وعمروها بنشر راية التوحيد وإبادة ظلمات الكفر والشِّرْك والجاهلية والعداوة والبغضاء ، فأصبحوا بنعمة الله تعالى موحّدين إخواناً متحابين ، أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم متسقة ومستمدة مِنَ الكتاب والسُّنَّة .
لقد كان للقرآن الكريم – وما زال وسيظل بإذن الله تعالى إلى قيام الساعة – الأثر الأقوى والأول في تقوية روابط الإيمان بالله عزوجل وترسيخ عقيدة التوحيد والدعوة إلى كل خلق فاضل وكريم والنهي عن رذائل الأخلاق ومساويها , بدا ذلك واضحا عند نزول القرآن بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلمفأثر التأثير الإيماني والسلوكي في أخلاق العرب وعاداتهم وسلوكهم وعقيدتهم وكذا غير العرب في عصر الإسلام الأول وفي عصوره المتتالية حتى إذا وصلنا إلى عصرنا الحاضر تأكيدا لهذا الدور القرآني حينما يقدم الكثيرون من العلماء والمفكرين والباحثين على اعتناق الإسلام بعد وقوفهم على بعض الإعجازات العلمية للقرآن أو حتى مجرد الوقوف على ترجمة معاني القرآن الكريم . ولذا فإنا سنوجز هذا الأثر في سلوك العرب وغير العرب وغير المسلمين في عصرنا الحاضر فيما يلي :
أولا :أثر القرآن الكريم في سلوك العرب
إذا أردنا أن نقف على أثر القرآن الكريم في سلوك العرب فإنا نلحظه على مستويين :
مستوى الأفراد ومستوى جماعة العرب .
أما تأثير القرآن الكريم في سلوك الأفراد :
فإنا نستطيع أنْ نقف على تأثير ووقْع تلاوة أو سماع بَعْض آيات القرآن الكريم على سلوك وعقيدة ومنهج بَعْض الأفراد العرب في أول أمْر الإسلام مِنْ خلال هذه النماذج
النموذج الأول :
عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان رأساً مِنْ رءوس الكفر يحارب كُلَّ مَنْ أَسْلَم ، وعِنْدما عَلِم بإسلام أخته فاطمة وزَوْجِها سعيد بن زَيْد ـ رضي الله عنهما ـ ذهب غاضباً لِلانتقام مِنْهُمَا ، ولَمَّـا دخل وجد معهما صحيفةً مِنَ القرآن فيها مِنْ أوَّل سورة طه حتى قوله تعالـى { إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِى } [ سورة طه الآية 14 ]، فأَسْلَم مِنْ فوره وتَغَيَّر سلوكه في كُلّ شئون حياته [يُرَاجَع : الطبقات الكبرى 3/268 ].
النموذج الثاني :
سَعْد بن معاذ رضي الله عنه الذي كان مُشْرِكاً وعِنْدما عَلِم بقدوم مصعب ابن عمير رضي الله عنه قَبْل الهجرة لِلدعوة إلى الإسلام ذهب إليه ومعه حَرْبَتُه لِمَنْعِه وعِنْدما قرأ عَلَيْه مصعب رضي الله عنه قوله تعالى { حم * وَالْكِتَـبِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَـهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون } [سورة الزخرف الآيات 1 - 3] ، فأَسْلَم في حِينه رضي الله عنه وأَسْلَم قومُه بإسلامه. [يُرَاجَع : حياة الصحابة 1/170, 171 وسيرة ابن هشام 2/52 ،53 ].
وأما تأثير القرآن الكريم في سلوك جماعة العرب :
فإنه يُمْكِن الوقوف على الأثر التربوي بمعناه الواسع ـ لِيَشمل التربية الروحية والأخلاقية ـ لِلقرآن الكريم في جماعة العرب الأُول مِنْ خلال شهادة أحد العرب وأشرافهم ـ ألا وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ـ التي ألقاها أمام النجاشي رضي الله عنه عِنْدما كانوا مهاجرين إليه .
وفيها يقول رضي الله عنه :" أَيُّهَا الْمَلِكُ .. كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ؛ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَـارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَام ". [يُرَاجَع : البداية والنهاية 4/182 ،183 ]
ومِمَّا تَقَدَّم يَتَّضِح أنّ جعفراً رضي الله عنه حَصَر أهمّ الأخلاق الفاسدة عِنْد العرب في ستّة ، وهي:
1- عبادة الأصنام ، وأيّ تَدَنِّي لِلعقل حينما يَسجد لِمخلوق دونه أو مِثْله ؟!
2- أكْل الميتة ، وفيها مِن المضرّة ما فيها .
3- إتيان الفواحش ، وهو مَعْنى واسِع يَشمل كُلّ ما يفحش ويُنْكِره العقل السليم مِن الزنا واللواط وما شاكلهما .
4- قَطْع الأرحام ، وهو أحد أسباب تَفَرُّق المجتمع وتَشَتُّته .
5- الإساءة إلى الجار .
6- أكْل القويِّ الضعيفَ ، وهو قاعدة الغابة ؛ فلا أمان فيها لِضعيف .
كَمَا حصر في المقابل أهمّ الأخلاق التي ربّاهم الإسلام عليها ودعاهم إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهي في مجموعها مستمَدَّة مِن الكِتَاب والسُّنَّة ، وهذه الأخلاق هي :
1- عبادة الله تعالى وحْده وعدم الإشراك به جَلّ وعَلاَ .
2- صِدْق الحديث وأداء الأمانة .
3- صلة الرحم وحُسْن الجِوَار .
4- الكفّ عن المَحَارم والدِّماء .
5- النهي عن الفواحش وقوْل الزور وأكْل مال اليتيم وقَذْف المحصَنات .
6- إقامة الصلاة وأداء الزكاة والصيام .
ثانيا :أثر القرآن في سلوك غَيْر العرب
لقدْ كان القرآن الكريم عظيم الأثر في سلوك غَيْر العرب ..
ويكفي دليلاً على ذلك النموذجان التاليان :
النموذج الأول :
النجاشي رضي الله عنه الذي كان مَلِكاً لِلحبشة ورأساً مِن رءوس النصرانية ، عِنْدما قرأ عَلَيْه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه صدراً مِنْ سورة مريم بَكَى حتى أخضلَتْ لِحْيَته ، وبكت أساقفتُه حتى أخضلَتْ لِحاهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثُمّ قال لهم النجاشي رضي الله عنه : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى عليه السلام لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَة .[ يُرَاجَع : سيرة ابن هشام 1/349 ]
النموذج الثاني :
جنوب شَرْق آسيا التي لَمْ تُفْتَحْ بسيف ولا قِتَال ؛ وإنَّمَا دَخَلَهَا الإسلام عَنْ طريق التجار المسلِمين
الذين تعاملوا مع تجار هذه البلاد فلمسوا في سلوكهم وأخلاقهم ما يَدفعهم إلى المسارَعة إلى اعتناق هذا الدين الذي يقوم ويعتمد على الكِتَاب والسُّنَّة. [ يُرَاجَع : حاضر العالَم الإسلامي 1/339]
ثالثا :الأثر القرآني المعاصر في سلوك غَيْر المسلِمين
إنّ أيّ امتداد لِلإسلام في شتّى بقاع المعمورة يُعَدّ امتداداً لِنُورَيِ القرآن والسُّنَّة وتأكيداً على أنّه الكِتَاب الحقّ المُنَزَّل مِنْ حكيم حميد .
كَمَا أنّ هذا الامتداد الإسلامي اليوم خاصّةً في دُوَل أوروبا والأمريكيتيْن واستراليا مِنْ أَقْوَى الأدلة على صلاحية هذا الكِتَاب لِكُلّ زمان ومكان وقُدْرَته على مخاطَبة عقول الإنسانية في أَزْهَى عصور تَقَدُّمِهَا .
ويكفي أنْ أدلِّل بنموذجين لِغَيْر المسلمين المعاصرين كان القرآن الكريم سبباً في تربية وتهذيب أنفُسهم ، وذلك بالعودة بهم إلى رحاب التوحيد والإيمان :
النموذج الأول:
مُحَمَّد جون ويستر رئيس البعثة الإسلامية الإنجليزية ، وُلِد مسيحيّاً بروتستانتيّا عام 1930 م ، تَحَيَّر في عقائد المسيحية والشيوعية ، وعِنْدما كان مقيماً في استراليا طَلَب نسخةً مِنَ القرآن الكريم مِنْ مكتبة سيدني العامة ، وما أنْ قرأ المقدمةَ لِلمُتَرْجِم حتّى لَمَس تَعَصُّبَه ضِدّ الإسلام ، فأَغْلَق الكِتَاب وتَرَكَه .
وبَعْد أسابيع كان في بيرث ـ غربيّ استراليا ـ فبَحَث عَنْ نسخة لِلقرآن شريطةَ أنْ يَكون مُتَرْجِمُهَا مُسْلِماً .. قال : ولا أستطيع أنْ أُعَبِّر في كلمات عَنْ مَدَى تأثُّرِي بِمُجَرَّد تلاوتي لأوَّل سورة الفاتحة بآياتها السبع ..
ثُمّ قرأْتُ عَنْ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقضيتُ بِضْع ساعات في المكتبة ، في ذلك اليوم وجدتُ طلبتي وبغيتي ، ثُمّ خرجتُ مِن المكتبة لأتناول فنجاناً مِن القهوة ، ثُمّ وَقَع بصري على مسجد ، فقُلْتُ لِنَفْسِي :" قَدْ عَرَفْت الحقّ ، فعليك اتباعه على الفور " ، فدخلْتُ المسجدَ وأَسْلَمْتُ[ .يُرَاجَع : المرجع السابق /125 – 127]
النموذج الثاني :
القس إبراهيم خليل فيلبس ( إبراهيم خليل أحمد ) .
ولد في الإسكندرية عام 1919م نشأ نشأة مسيحية ودرس بمعاهد الإرسالية الأمريكية وحصل على دبلوم اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة وعين قسا راعيا بأسيوط ثم رقي إلى قسيس بعشر الإرسالية السويسرية الألمانية بأسوان.
يقول عن سبب إسلامه : حقيقة القول : أنني عندما وصلت إلى الآية الكريمة من القرآن الكريم {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
 [سورة الأعراف الآية 157 ].
قلت لو نظرت إلى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء ذكره في التوراة والإنجيل فسأبلغها للناس وأشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين حقا ويقينا .
وعكف على دراسة التوراة والأناجيل من عام 1955م حتى 1959 م حتى أتاه اليقين فأعلن إسلامه وجاهد في سبيل الله وله مؤلفات متداولة منها :
محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن .
المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي , وغيرهما كثير .[يراجع مناظرة بين الإسلام والنصرانية / 17 , 18 , 219 – 230 ] .
وختاما ......
فإن القرآن الكريم والسنة المطهرة فيهما العصمة من الضلال لمن تمسك بهما وتخلق بأخلاقهما وهذا حقهما علينا فلنحرص على تفعيل القرآن في سلوكنا وسائر أفعالنا كما كان سلف هذه الأمة حينما كانوا يبدأون بالعمل بالقرآن قبل حفظه .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اقر المقال في 
موقع الإسلام اليوم
موقع الشريعة
موقع موسوعة الإعجاز العلمي للقران والسنة