لقد من الله تعالى على مصرنا الحبيبة بثورة 25 يناير التي غيرت مجرى التاريخ المصري المعاصر وأكبرت المصريين في أنفسهم وعند غيرهم وأبهرت شعوب العالم وعقلائه ومفكريه وأصبحت قدوة يحتذى بها عند كثير من الشعوب المغلوبة على أمرها ، فطوبى لهؤلاء الشباب الذين جعلهم الله مفاتيح للخير .
ففي الحديث الشريف : " إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ " ( أخرجه ابن ماجة)
وهنيئا لمن أكرمه الله عزوجل بالشهادة نسأل الله تعالى أن يشملهم بواسع رحمته وأن يجزيهم عن مصر والمصريين خير الجزاء .
هذه الثورة المباركة كشفت النقاب عن فساد حل بالبلاد والعباد على أيدي بعض رجال السلطة والحزب الوطني بعضه كان ظاهرا وقل من عارضه أو انتقده خوفا من بطش المفسدين وانتقامهم لكن أكثر الفساد الذي كان مستترا ولا يعلم به عامة الشعب لم يظهر إلا بعد هذه الثورة حينما رأينا كيف عم الفساد المالي والإداري بأشكال متنوعة ومتعددة حتى سمعنا عن أرقام مذهلة لأرصدة بعضهم التي تعدت المليارات وفي المقابل زاد الفقير فقرا فلا يستطيع أن يحصل حتى على رغيف الخبز .
وإذا نظرنا إلى الفساد الذي حل بالبلاد قبل ثورة 25 يناير فنرى أن له أشكالا وصورا عديدة منها : إبعاد الكثير من الشرفاء المخلصين المبدعين عن مواقع الإدارة والقيادة وتقديم كل منافق وخائن لتولي دفة الإدارة في معظم المواقع مما ساهم في نشر المحسوبية والرشوة ونحوها والتعدي على الأنفس والأموال والحرث سواء أكان المال عاما أو خاصا و منها الطرح السيء في بعض وسائل الإعلام والتضليل الإعلامي ونحوها .
هذه الجرائم وهذا الفساد الذي حل بالدولة في النظام السابق ما كان ليفشو ويستفحل في وجود المراقبة والمحاسبة التي انعدمت ولم يكن لها وجود بدليل هذا الفساد الظاهر .
وهنا وجب التذكير بنظام الإسلام في محاسبة العمال والموظفين القائم على نوعين من الرقابة :
النوع الأول : المراقبة الذاتية وهي الإيمان بالله عزوجل والخوف من الوقوع في الحرام وهي ما يسمى بالضمير في قوله تعالى : " إن الله كان عليكم رقيبا " (سورة النساء من الآية 1)، وقوله تعالى :" وهو معكم أينما كنتم .." (سورة الحديد من الآية 4)
وفي الحديث الشريف : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".(متفق عليه ) وغالبا ما يرتكب الإنسان المعصية في لحظة انعدام المراقبة والخوف من الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم : " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " ( متفق عليه )
قال الشاعر:
إذا الإيمان ضاع فلا أمـــــــــان ولا دنيــا لمــن لــم يحــي دينــا
الثانية : مراقبة الحاكم أو رئيس الدولة للعاملين والموظفين اللذين انعدمت عندهم الرقابة الذاتية فلا يخافون الله عزوجل ولذا وجب على الحاكم أن يتدخل لمنع الفساد ومعاقبة المفسدين وهذا حق للشعب على الحاكم سيسأله الله تعالى عنه يوم القيامة ففي الحديث : " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " (متفق عليه ) وفي رواية أخرى :" إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع " ( أخرجه ابن حبان ) .
لقد قصر الرئيس حسني مبارك في أداء مهمته ورسالته ويشاركه في ذلك الحكومة ومجلسي الشعب والشورى – إلا من رحم الله – فقد كانوا بطانة فاسدة أفسدت البلاد والعباد وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى " (أخرجه البخاري ) .
ولقد رأينا آثار بطانة السوء حينما سفهوا ثورة 25 يناير في أول أمرها ثم قرروا إخماده بالقوة فاستباحوا الدماء الزكية الطاهرة وهذا فساد في الأرض قامت به السلطة السابقة بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ولن يرضى الشعب المصري في حق هؤلاء القتلة إلا بتطبيق شرع الله تعالى وهو القصاص قال تعالى :" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون " (سورة البقرة الآية 179)
وكم سيسعد الشعب بتطبيق هذا الحكم في حق قتلة أبناء ثورة 25 ينايروليكن علنا وفي ميدان التحرير.
وأما الفساد المالي قبل ثورة 25 يناير فحدث ولا حرج فمال الدولة أصبح غنيمة وحقا مكتسبا لبعض ذوي السلطة ومحسوبيهم الذين خانوا الأمانة الموكلة إليهم وهذا يسمى شرعا غلولا وهو السرقة من الغنيمة قبل توزيعها ولقد أتى التحذير صريحا في السنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنْ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ وَمَا لَكَ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ".(أخرجه مسلم وغيره )
كما رأينا صورا للتعدي على الأموال الخاصة بأكل أموال الناس بالباطل ومن صوره : السحت وهو ما يأخذه الموظف من المواطن حتى يعطيه حقه وإلا عطله أو رفضه ، والوزرهنا على الآخذ وليس الدافع ونسي آكل السحت أنه من الكبائر وأن النار أولى بلحمه وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة :" أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ أَوْ قَالَ بُرْهَانٌ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا " (أخرجه أحمد وغيره )
ومنها الرشوة وهي دفع مال للموظف ليعطيه حق مواطن آخر ، وهنا الوزر على الاثنين والوسيط بينهما إن وجد وهما ملعونان ففي الحيدث الشريف :" لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ".(أخرجه أبو داوود والترمذي وغيرهما )
هذه الصور من أشكال الفساد المالي لدى موظف الدولة أوجب الإسلام على الحاكم محاسبة مرتكبيها بل وعليه ألا ينتظر وقوعها بل ويسعى دائما وباستمرا إلى الوقوف على الذمة المالية للموظفين فإن زادت عن الحد المقبول رد الزيادة إلى مال الدولة .
وهذه هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم مع عماله بصفة دورية ومستمرة " فقد اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي " (متفق عليه ) .
وكم أتمنى تطبيق هذا الهدي النبوي على جميع الموظفين السابقين واللاحقين خاصة أصحاب المليارات الذين كانوا قبل توليهم الحكم لا يملكون إلا قوت يومهم .
ما سبق كان منهج الإسلام في محاسبة المفسدين في الدنيا وفيه طهارة للمفسد حينما يقتل إن كان قاتلا أو يرد المال الذي أكله بالباطل من الدولة أو الأفراد إلى أصحابها .
أما من هرب من المحاسبة السابقة ومات على حالته ولم يتب من ذنبه لأن توبته لن تقبل إلا برد الأموال التي أخذها ظلما بغير حق إلى أهلها ولذا فالخير للمفسدين أن يسارعوا بالندم والتوبة بتقديم أنفسهم للمحاكمة ورد الأموال التي أخذوها بغير حق إلى أهلها عل الله تعالى يعفو عنهم ثم عامة الشعب المصري .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ففي الحديث الشريف : " إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ " ( أخرجه ابن ماجة)
وهنيئا لمن أكرمه الله عزوجل بالشهادة نسأل الله تعالى أن يشملهم بواسع رحمته وأن يجزيهم عن مصر والمصريين خير الجزاء .
هذه الثورة المباركة كشفت النقاب عن فساد حل بالبلاد والعباد على أيدي بعض رجال السلطة والحزب الوطني بعضه كان ظاهرا وقل من عارضه أو انتقده خوفا من بطش المفسدين وانتقامهم لكن أكثر الفساد الذي كان مستترا ولا يعلم به عامة الشعب لم يظهر إلا بعد هذه الثورة حينما رأينا كيف عم الفساد المالي والإداري بأشكال متنوعة ومتعددة حتى سمعنا عن أرقام مذهلة لأرصدة بعضهم التي تعدت المليارات وفي المقابل زاد الفقير فقرا فلا يستطيع أن يحصل حتى على رغيف الخبز .
وإذا نظرنا إلى الفساد الذي حل بالبلاد قبل ثورة 25 يناير فنرى أن له أشكالا وصورا عديدة منها : إبعاد الكثير من الشرفاء المخلصين المبدعين عن مواقع الإدارة والقيادة وتقديم كل منافق وخائن لتولي دفة الإدارة في معظم المواقع مما ساهم في نشر المحسوبية والرشوة ونحوها والتعدي على الأنفس والأموال والحرث سواء أكان المال عاما أو خاصا و منها الطرح السيء في بعض وسائل الإعلام والتضليل الإعلامي ونحوها .
هذه الجرائم وهذا الفساد الذي حل بالدولة في النظام السابق ما كان ليفشو ويستفحل في وجود المراقبة والمحاسبة التي انعدمت ولم يكن لها وجود بدليل هذا الفساد الظاهر .
وهنا وجب التذكير بنظام الإسلام في محاسبة العمال والموظفين القائم على نوعين من الرقابة :
النوع الأول : المراقبة الذاتية وهي الإيمان بالله عزوجل والخوف من الوقوع في الحرام وهي ما يسمى بالضمير في قوله تعالى : " إن الله كان عليكم رقيبا " (سورة النساء من الآية 1)، وقوله تعالى :" وهو معكم أينما كنتم .." (سورة الحديد من الآية 4)
وفي الحديث الشريف : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".(متفق عليه ) وغالبا ما يرتكب الإنسان المعصية في لحظة انعدام المراقبة والخوف من الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم : " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " ( متفق عليه )
قال الشاعر:
إذا الإيمان ضاع فلا أمـــــــــان ولا دنيــا لمــن لــم يحــي دينــا
الثانية : مراقبة الحاكم أو رئيس الدولة للعاملين والموظفين اللذين انعدمت عندهم الرقابة الذاتية فلا يخافون الله عزوجل ولذا وجب على الحاكم أن يتدخل لمنع الفساد ومعاقبة المفسدين وهذا حق للشعب على الحاكم سيسأله الله تعالى عنه يوم القيامة ففي الحديث : " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " (متفق عليه ) وفي رواية أخرى :" إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع " ( أخرجه ابن حبان ) .
لقد قصر الرئيس حسني مبارك في أداء مهمته ورسالته ويشاركه في ذلك الحكومة ومجلسي الشعب والشورى – إلا من رحم الله – فقد كانوا بطانة فاسدة أفسدت البلاد والعباد وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى " (أخرجه البخاري ) .
ولقد رأينا آثار بطانة السوء حينما سفهوا ثورة 25 يناير في أول أمرها ثم قرروا إخماده بالقوة فاستباحوا الدماء الزكية الطاهرة وهذا فساد في الأرض قامت به السلطة السابقة بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ولن يرضى الشعب المصري في حق هؤلاء القتلة إلا بتطبيق شرع الله تعالى وهو القصاص قال تعالى :" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون " (سورة البقرة الآية 179)
وكم سيسعد الشعب بتطبيق هذا الحكم في حق قتلة أبناء ثورة 25 ينايروليكن علنا وفي ميدان التحرير.
وأما الفساد المالي قبل ثورة 25 يناير فحدث ولا حرج فمال الدولة أصبح غنيمة وحقا مكتسبا لبعض ذوي السلطة ومحسوبيهم الذين خانوا الأمانة الموكلة إليهم وهذا يسمى شرعا غلولا وهو السرقة من الغنيمة قبل توزيعها ولقد أتى التحذير صريحا في السنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنْ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ وَمَا لَكَ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ".(أخرجه مسلم وغيره )
كما رأينا صورا للتعدي على الأموال الخاصة بأكل أموال الناس بالباطل ومن صوره : السحت وهو ما يأخذه الموظف من المواطن حتى يعطيه حقه وإلا عطله أو رفضه ، والوزرهنا على الآخذ وليس الدافع ونسي آكل السحت أنه من الكبائر وأن النار أولى بلحمه وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة :" أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ أَوْ قَالَ بُرْهَانٌ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا " (أخرجه أحمد وغيره )
ومنها الرشوة وهي دفع مال للموظف ليعطيه حق مواطن آخر ، وهنا الوزر على الاثنين والوسيط بينهما إن وجد وهما ملعونان ففي الحيدث الشريف :" لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ".(أخرجه أبو داوود والترمذي وغيرهما )
هذه الصور من أشكال الفساد المالي لدى موظف الدولة أوجب الإسلام على الحاكم محاسبة مرتكبيها بل وعليه ألا ينتظر وقوعها بل ويسعى دائما وباستمرا إلى الوقوف على الذمة المالية للموظفين فإن زادت عن الحد المقبول رد الزيادة إلى مال الدولة .
وهذه هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم مع عماله بصفة دورية ومستمرة " فقد اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي " (متفق عليه ) .
وكم أتمنى تطبيق هذا الهدي النبوي على جميع الموظفين السابقين واللاحقين خاصة أصحاب المليارات الذين كانوا قبل توليهم الحكم لا يملكون إلا قوت يومهم .
ما سبق كان منهج الإسلام في محاسبة المفسدين في الدنيا وفيه طهارة للمفسد حينما يقتل إن كان قاتلا أو يرد المال الذي أكله بالباطل من الدولة أو الأفراد إلى أصحابها .
أما من هرب من المحاسبة السابقة ومات على حالته ولم يتب من ذنبه لأن توبته لن تقبل إلا برد الأموال التي أخذها ظلما بغير حق إلى أهلها ولذا فالخير للمفسدين أن يسارعوا بالندم والتوبة بتقديم أنفسهم للمحاكمة ورد الأموال التي أخذوها بغير حق إلى أهلها عل الله تعالى يعفو عنهم ثم عامة الشعب المصري .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
د/إسماعيل عبد الرحمن
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
www.alazhary2.blogspot.com
alazhary_alosooly@yahoo.com
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
www.alazhary2.blogspot.com
alazhary_alosooly@yahoo.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا برأيك ولا تمر مرور الكرام