قام فضيلة الشيخ بالمشاركة في تحقيق أجراه الصحفي المتميز ثروت البطاوي عن زواج المعاق ذهنيا وتم نشر هذا التحقيق بجريدة السياسة الكويتية بتاريخ 19/08/2011
وإليكم نص هذا التحقيقالقاهرة- ثروت البطاوي:
رغم صدور عدد من الفتاوى كان إحداها للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أكدت على حق المعاق ذهنيًا في الزواج, اذا ما كانت اعاقته بسيطة, لأنه يشعر بالشهوة والعاطفة, ويحتاج الى السكن والنفقة والرعاية, مثل باقي البشر, الا أن ثقافتنا المجتمعية في الدول العربية لم تتقبل بعد تلك الفكرة, مثلما هو الحال في الغرب, فهل بعد هذه الفتوى زال التضارب بين العلماء والاختصاصيين حول هذه القضية, "السياسة" تستطلع في هذا التحقيق, كافة الآراء لتجلي أبعاد القضية كاملة, في السطور التالية:
يقول د.أسامة البرعي أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة المنصورة- إن الاعاقة الذهنية درجات, وأنواع وفي الحالات الناتجة عن عوامل وراثية, كأن يكون هناك خلل في "الكروموسومات" لا ننصح مطلقًا بالزواج, حتى لا يتم انجاب أطفال يتوارثون تلك الاعاقة. أما التي تنتج عن عوامل غير وراثية, مثل التعرض لحادث أو الاصابة بالحمى وغير ذلك, فلا يرث الأبناء الاعاقة في تلك الحالة. ولكن من الضروري ألا تقل نسبة الذكاء لديهم عن 50 في المئة, حتى يكونوا صالحين للزواج, حيث أنهم بتلك النسب المنخفضة لا يمكنهم السيطرة على تصرفاتهم, وبالتالي تكون سلوكياتهم غير مسؤولة. أما اذا تراوح معدل ذكائهم ما بين 60 الى 80 في المئة فسيكون الفرد منهم قادرًا على تعلم مهنة يتكسب منها, وسيمتلك البصيرة التي تمكنه من ادراك أخطائه, والحكم على تصرفاته, مع الأخذ في الاعتبار أهمية ألا يكون كلا الزوجين مصاباً بالاعاقة الذهنية, حتى يستطيع طرف منهما رعاية الآخر. ولكن من الممكن أن يكون أحدهما معاقا ذهنيًا, والآخر مصاب اًباعاقة جسدية, وهنا يحدث تكامل وتعايش بين الزوجين. وفي جميع الحالات يجب أن يخضع المعاقون ذهنيًا الى الكشف الطبي النفسي قبل اتمام الزواج, للوقوف على امكانية نجاح واستمرار هذا الزواج.
ويقول د.لطفي الشربيني استشاري الطب النفسي: حتى وقت طويل مضى كانت هناك بعض المحاذير حول زواج المعاقين ذهنيًا, خوفًًا من أن تنتقل اعاقتهم وراثيًا للأبناء عن طريق الجينات, الا أن الدراسات العلمية الحديثة أكدت أن الانتقال الوراثي للاعاقة ليس حتمياً, خاصة اذا ما راعينا بعض الأمور والاعتبارات العلمية التي حددها المتخصصون. وهناك من علماء النفس من ينصحون المصابين بالعقد, أو باعاقات ذهنية متوسطة, وخفيفة بالاقبال على الزواج مباشرة, وان كانوا يرون من الأفضل أن يتم الزواج بين شخص معاق ذهنيًا, وآخر سوي وطبيعي, حتى تقل فرص الانتقال تلك الاعاقة وراثيًا, كما وجدوا أن زواجهم يؤدي الى تحسن كبير في الأداء الاجتماعي, والعملي لديهم, ويساعد الكثير منهم على القيام بوظائفهم الأسرية, وعلاقتهم الزوجية بصورة شبه طبيعية. ولكن من الضروري أن يتمتعوا بالرعاية الأسرية, التي توفر لهم أعباء ومتطلبات الحياة الزوجية. أما تلك الحالات التي تعاني من الاعاقة الذهنية الشديدة, بحيث لا يستطيع الفرد منهم الاعتماد على نفسه, وأداء وظائفه, بشكل منفرد وطبيعي, فيفضل عدم الاقدام على تزويجهم, ولحسن الحظ فان تلك الحالات لا تمثل سوى نسبة قليلة منهم.
وينصح د.لطفي بضرورة تقييم طرفي الزواج من المعاقين ذهنياً, واخضاعهما لاختبارات نفسية معينة, تحدد امكانية نجاح هذا الزواج, من عدمه, بناءً على مدى التوافق بين الزوجين, وبشكل عام لا مبرر للقلق أو الخوف من زواج المعاقين بحجة انتقال اعاقتهم وراثيًا الى الأبناء, لأن ذلك لا يحدث الا في اطار ضيق جدًا.
ويقول د.عادل عاشور, أستاذ طب الأطفال والوراثة بالمركز القومي للبحوث: درجات الاعاقة الذهنية تتراوح بين البسيطة, والمتوسطة, والخطيرة, وشديدة الخطورة. ويتراوح قياس الذكاء لدى المصابين بالاعاقة البسيطة بين70 الى 100 درجة, وهم الفئة المعنية بالزواج من بين المعاقين ذهنياً, والقادرين عليه وغالبا ما يتم زواج الواحد منهم بشخص آخر طبيعي على دراية بظروفه وعادة ما يكون بين معاق ذهنيًا يمتلك الامكانيات المادية, وطرف آخر فقير أو معدم, ولا يمكننا اعتبار مثل هذا الزواج في جميع الأحوال "زواج مصلحة" وانما هو زواج يتم فيه تبادل المنافع في اطار من الود والحميمية.. أما باقي حالات الاعاقة فيصعب عليهم فهم معنى الزواج. كما أن أغلب المصابين بحالات الاعاقة الذهنية ليست لديهم القدرة على الانجاب, واذا ما أنجبوا فليس من المؤكد أن يكون المولود مصابًا باعاقتهم, ورغم ذلك فمن الضروري أن يجري الطرفان فحوصات ما قبل الزواج, وتحاليل ما قبل وأثناء الحمل, حيث تساعد كثيرًا في تجنب انجاب المصابين بالاعاقة الذهنية. ولنا أن نعلم أن دول أوروبا وأميركا تخصص منتجعات خاصة لزواج المعاقين ذهنيًا, يحصلون فيها على الرعاية, والحماية اللازمة, بما يمكنهم من الحصول على حقوقهم كاملة, والعيش في وفاق مع مجتمعاتهم, دون أن يتعرضون للتحرش أو الانحراف تلبية لرغباتهم "خاصة الجنسية".
ويقول د.رشاد عبداللطيف - أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان- المعاقون ذهنيًا في النهاية آدميون, ولهم حقوق مثل باقي البشر, ومنها الحق في الزواج, لكن السماح لهم بالزواج لابد من معرفة اذا ما كانت هناك خطورة على أحدهما, أو على أبنائهما في حالة الانجاب , ويمكن معرفة ذلك من خلال اخضاعهم للكشف الطبي والنفسي لتحديد درجة الاعاقة, ومعرفة قدرتهم على المعاشرة الزوجية, والعيش في سكينة ورحمة ووفاق, واذا ما توافرت جميع هذه الأركان, فيمكننا اتمام الزواج. أما في حالة الاعاقة الحادة, فلا يمكننا أن نقر بحق المعاق في الزواج لما يمثله في هذه الحالة من مخاطر وأضرار للأسرة, والمجتمع الذي نجده أحيانًا ما ينظر اليهم وكأنهم نكرة, ويتقبلهم بصعوبة, فهو يعترف نظريًا بحقوقهم, حتى في الزواج, ولكنه من الناحية العملية والواقعية يرفضهم. لذلك فمن الضروري أن ندعم فكرة التمكين الاجتماعي للمعاقين ذهنيًا من خلال التوعية الدينية عبر المساجد والكنائس, ووسائل الاعلام المختلفة.
يقول د.مهدي القصاص, أستاذ علم الاجتماع القانوني بكلية الآداب جامعة المنصورة: لا يمكن لأحد أن ينكر حقهم في الزواج باعتباره حقًا انسانيًا, ورغم ذلك نجد أن تلك الفكرة لا تلاقي أي قبول في المجتمعات العربية. بعكس المجتمعات الغربية التي يتمتع فيها المعاقون ذهنيًا بكافة حقوقهم بما فيها حق الزواج, ولكنهم في بلادنا العربية معزولون اجتماعيًا عن الآخرين, لدرجة أن الأسر التي يعاني أحد أفرادها من تلك الاعاقة, يمنعونه نهائيًا من الخروج من المنزل, أو من غرفته في حال وجود بعض الضيوف. كما أننا في مجتمعاتنا نتعامل معهم بنوع من الشفقة, وأحيانًا بشيء من الخوف والرهبة, وهو ما يجعل أمر زواجهم غاية في الصعوبة, خاصة أنهم بحاجة الى رعاية كاملة واهتمام بالغ من ذويهم, فهم لا يستطيعون تحمل أعباء, ومسؤوليات الزواج, الذي لا يمكننا النظر اليه على أنه مجرد عملية جنسية بيولوجية فقط.
وهناك مخاطر أخرى يمكن أن تنتج عن زواجهم وتتمثل في تزايد فرص انتقال اعاقتهم الذهنية الى أبنائهم, وحتى اذا ما سلموا من وراثة الاعاقة, وولدوا أصحاء أسوياء, فستكون هناك مشكلات عدة في رعايتهم والاعتناء بهم. لذلك ففكرة زواج المعاقين ذهنيًا سوف تواجهها مصاعب وعوائق اجتماعية كثيرة, تجعل زواج الواحد منهم يدخل تحت "بند" عدم الاستطاعة وفقًا للحديث الشريف: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم..) ومن هنا فالمعاق ذهنيا لا يمتلك الاستطاعة على الزواج, ومن ثم يمكن تعويضه اجتماعيا عبر وسائل أخرى تنمي هواياته, ومهاراته.
وعن موقف الشريعة الاسلامية من زواج المعاقين ذهنيًا يقول د.اسماعيل عبدالرحمن, أستاذ الفقه الاسلامي بجامعة الأزهر: الفقهاء اعتبروا "العته"- وهو نقصان العقل- من عوارض الأهلية, فالمعتوه ناقص للأهلية في أداء الأفعال الواقعة بين النفع والضرر, كالبيع, والنكاح, وهي أمور موقوفة على اجازة الولي, فان أجازها صارت نافذة, والا كانت باطلة. ولما كان المعاق ذهنيًا أقرب الى المعتوه منه الى المجنون, فان زواجه أو تزويجه يكون صحيحًا, اذا ما تم باذن الولي. وان كان بغير اذنه, كأن يزوج المعاق نفسه أو المعاقة نفسها دون حضور الولي أو اذنه كان العقد باطلاً, ما لم يجزه الولي عند علمه. أما زواج المعاق من معاقة فأرى أنه اذا ما غلب الظن عند علماء الطب أن هذا الزواج سيثمر أو ينجب ذرية تحمل صفة الاعاقة كان زواجهما مكروها وان تيقنوا ذلك كانت الكراهة أشد.أما الاصابة بالاعاقة بعد الزواج فان الطرف الآخر يكون له الخيار بين الرضا باستمرار العلاقة مع وجود هذا المرض, والصبر عليه, وخدمته والاحتساب وطلب الأجر من الله, أو طلب التفريق للاعاقة التي تأخذ حكم الجنون, والعته, باعتبارها عيبا من عيوب النكاح, بشرط أن تكون الاعاقة مستحكمة, لا يمكن البرء منها, مع التيقن من تحقق الضرر.
ويوضح د.محمد سعيد عرام أستاذ التفسير وعلوم القران بجامعة الأزهر أن الزواج شريعة الله في أرضه, وفطرته الجارية في خلقه, وهو من آيات ملكه, وجعله بين البشر سببًا للسكن, والمودة والرحمة, وبناء على ذلك لا يتم منعه عن أحد من البشر, اذا ما توافرت فيه شروط الاستطاعة, فاذا كان المعاق ذهنيًا مستطيعًا للزواج جسمانيًا وماديًا, بحيث لا تؤثر اعاقته على قدرته الجنسية, فلا بأس أن يتزوج, وأن يعقد له وليه, باعتباره ناقصًا للأهلية, ولكن بشرط ألا يتم اجبار المرأة على الزواج منه, فتكون لها حرية اختيار شريك حياتها, فان رضيت أن تتزوجه فلا بأس في ذلك. حتى وان أفتى بعض أستاذة الطب بأن الاعاقة قد تؤثر من الناحية الوراثية على النسل الناتج عن هذا الزواج, ذلك لأن النظريات العلمية يخطأ بعضها ويصيب.
المقال منشور على الرابط التالي اضغط هنا ( السياسة الكويتية )
لمشاهدة صورة المقال اضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا برأيك ولا تمر مرور الكرام