الاختلاف في الرأي في الاسلام رحمة وليس نقمة

الخميس، 19 سبتمبر 2013




بقلم الدكتور /إسماعيل عبد الرحمن

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....وبعد
لقد كنا نسمع قديما عندما نتعرض لمسألة فقهية اختلف فيها العلماء تلك المقولة ( اختلافهم رحمة ) بل وألف في ذلك كتب عدة منها  كتاب أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي من علماء القرن الثامن الهجري بعنوان ( رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ) .
و قد رأينا اليوم  في الساحة المصرية وغيرها من بعض الدول العربية أن الاختلاف في الرأي أصبح نقمة تورث البغضاء والشحناء بين المواطنين وبين المسلمين بعضهم البعض بل وبين الأخ وشقيقه والابن وأبيه والزوج وزوجته والكثرة ممن ساروا في هذا الدرب يعتقدون أنهم على صواب .
فترى بعضا منهم لا يجوز في نظرهم شرعا القاء السلام على من خالفهم الرأي ولذا دبت القطيعة بين بعض المسلمين لأننا تركنا طريقا من طرق دخول الجنة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) واذا تركنا القاء  السلام بيننا وقعنا في محظور أشد الا وهو التدابر والتباغض والتقاطع وكلها صفات تضعف الأمة وتفرق كلمتها وتذهب قوتها  وهيبتها مصداقا لقوله تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال )
وفي مقام تمييز الاختلاف في الرأي المحمود والذي هو نعمه من الاختلاف في الرأي المذموم والذي هو نقمة يعطينا الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ميزانا نقيس به اختلافنا المعاصر في الرأي  فيقول رحمه الله : وَوَجَدْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَلَمْ يَتَفَرَّقُوا وَلَا صَارُوا شِيَعًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا الدِّينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ مِنِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ ، وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ نَصًّا وَاخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالُهُمْ فَصَارُوا مَحْمُودِينَ، لِأَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا فِيمَا أُمِرُوا بِهِ كَاخْتِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْأُمِّ وَقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَخِلَافِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَخِلَافِهِمْ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وفي البيوع وغير ذلك، مما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانُوا مَعَ هَذَا أَهْلَ مَوَدَّةٍ وتناصح، وأخوة الإسلام فيما بينهم قَائِمَةٌ، فَلَمَّا حَدَثَتِ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِيَةُ، الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَتِ الْعَدَاوَاتُ وَتَحَزَّبَ أَهْلُهَا فَصَارُوا شِيَعًا، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِ أَوْلِيَائِهِ.
وقَال رحمه الله : كُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَلَمْ يُورِثْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وَلَا بَغْضَاءَ وَلَا فُرْقَةً، عَلِمْنَا أَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ وَطَرَأَتْ فَأَوْجَبَتِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالتَّدَابُرَ وَالْقَطِيعَةَ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّهَا الَّتِي عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ/ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، مَنْ هُمْ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ وَأَصْحَابُ الضَّلَالَةِ من هذه الأمة"
 وقَالَ رحمه الله : فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} ، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لِحَدَثٍ أَحْدَثُوهُ مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى.
هَذَا مَا قَالَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ يَدْعُو إِلَى الْأُلْفَةِ والتَّحاب وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ، فَكُلُّ رَأْيٍ أَدَّى إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَخَارِجٌ عَنِ الدِّينِ، وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ مِنَ الفرق المُضَمَّنَة فِي الْحَدِيثِ (الاعتصام للشاطبي )
هدانا الله جل وعلا إلى ما فيه الخير والصلاح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك ولا تمر مرور الكرام