وحينما
نطالب بالتدرج فى التطبيق لأنه أحد سمات التشريع الإسلامى خاصة أن المجتمع
المصرى قد حكم بالعلمانية وتخلص من تطبيق أحكام الشريعة على يد محمد على
باشا فى أول القرن التاسع عشر وإزالة ما رسخ فى هذه الفترة من فساد فى
التشريع يحتاج إلى بعض الوقت لأن التطبيق الفورى لن يسلم من بعض المفاسد
التى قد يأتى بنتيجة عكسية كما حدث فى بعض الدول التى تسرعت فى تطبيق أحكام
الشريعة فى عصرنا الحاضر.
وليس معنى الاحتكام إلى الشريعة إقامة
الحدود الشرعية فقط – كما يظن البعض – على المجرمين بشروطها وإنما صبغ كل
تصرفاتنا ومعاملاتنا بالصبغة الشرعية وفق المنهج الإلهى الذى ارتضاه الله
تعالى لنا فقال جل وعلا ? ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ
الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ ?الجاثية/18.
وقال تعالى: " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ"النور/51.
كما حذر جل وعلا من الاحتكام إلى غير
شريعة الإسلام فقال سبحانه وتعالى" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا"
النساء/65.
وقال تعالى :" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ "المائدة/50.
وقال تعالى: " وَإِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم
مُّعْرِضُونَ "{النور/48}. وهذه الآية الأخيرة نزلت فى المنافقين ولكنها
بحالها تنطبق على كل رافض لتطبيق شرع الله تعالى على عباده.
العامل الثالث: التطبيق الفورى لحد الحرابة عند انتشار الفساد فى المجتمع.
والحرابة تسمى قطع الطريق عند أكثر
الفقهاء وهى البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرهاب على سبيل المجاهرة
والمكابرة اعتمادا على القوة والحرابة من الكبائر ووصف القرآن الكريم
مرتكبيها بصفة تدل على عظم جرمها ألا وهى محاربة الله تعالى ورسوله، لأنهم
يسعون فى الأرض فسادا وغلظ عقوبتها أشد التغليظ فقال عز وعلا ? إِنَّمَا
جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى
الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ ?المائدة/33.
واليوم فى عصرنا قد انتشرت ظاهرة
الاختطاف والسلب والنهب والسرقة والبلطجة التى أرهبت أفراد المجتمع وضيعت
أمن البلاد واستقرارها ومن ثم أضرت بمعيشتها واقتصادها.
وليتنا نقتدى فى ذلك بالملك عبد العزيز
رحمه الله الذى كانت بلاده مرتعا لجرائم السرقة وقطع الطريق حتى الحجيج لم
يسلموا منهم وفى ذلك يقول المستشار على منصور رحمه الله: فما أن طبقت
الحجاز هذين الحدين حتى استتب الأمن وانقطعت السرقات وانهارت عصابات قطع
الطريق حتى أصبحت البلاد مضرب المثل المستغرب فى انقطاع دابر جريمة السرقة
وقطع الطريق رغم أن ما قطع من الأيادى منذ تطبيق الحدود لا يمثل إلا عددا
ضئيلاً جداً لا يوازى ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب الأبرياء فى حملة
واحدة ويذكر أن عدد الأيدى التى قطعت فى المملكة العربية السعودية ستة عشر
يداً خلال أربعة وعشرين عاماً هى مدة حكم جلالة الملك عبد العزيز رحمه
الله.
(نظام التجريم والعقاب فى الإسلام )
العامل الرابع: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
قال تعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ
خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ "
آل عمران/110.
فهذه الآية الكريمة حددت شرط نيل شرف
الانتماء للأمة المحمدية بعد الإيمان وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
ولذا قال عمر: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله تعالى فيها
(تفسير القرآن العظيم 1/396) والنهى عن المنكر فريضة لا يعفى فيها مسلم كل
بحسب قدرته على درجات ثلاث فى قوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن
لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان» أخرجه مسلم.
العامل الخامس: طاعة ولاة الأمر فى غير معصية:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " النساء/59.
وطاعة ولاة الأمر لها دور كبير فى أمن
المجتمع واستقراره بشرط أن تكون فى طاعة ففى الحديث: «على المرء المسلم
السمع والطاعة. فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية. فإن أمر بمعصية، فلا
سمع ولا طاعة». متفق عليه.
بقلم فضيلة الدكتور إسماعيل عبد الرحمن
الأستاذ بجامعة الأزهر
رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط
الأستاذ بجامعة الأزهر
رئيس فرع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بدمياط
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا برأيك ولا تمر مرور الكرام